بقلم: “ح” الحويطي
ومن لم تكن أوطانه مفخرا له … فليس له في موطن المجد مفخر
ومن لم يكن من دون أوطانه حمى … فذاك جبان بل أخس وأحقر
زعموا أنّ ناقة أصيلة يقال لها “الحويطات” وكلبة متملّقة يقال لها “نيوم” التقتا يوما عند بئر قديمة يقال لها “الخريبه” وقد برّح بهما العطش ونال منهما الحرّ، وكانت الأولى صفراء فاقعا لونها تسرّ الناظرين، عوجاء مرقالا تروح وتغتدي، جَنُوحا دِفَاقا عَنْدَلا قد أُفْرعت لها كتِفاهَا في مُعالى مُصعَّدِ، إذا أقبلت رفست بخُفّها البواسل، وإذا أدبرت كادتْ تقدُّ السلاسل، فهي في اجتماع أصالتها واعتدادها بنفسها أشبه بالصّرح، ولاتراها أبدا مصعّرة خدّها كأنّها ابنة سيّد القبيلة؛ وكانت الثّانية كلبة من “البوبتيل” ــسلالة أمريكيّة هجينةــ، لعوبًا، خبيثة النظرة، لا يكاد يُسمع لها نباح، ينبعث منها عطر باريسيّ ناعم، ويحيط برقبتها سوار ذو خلفية بيضاء يحدّها خطان أفقيان لونهما أزرق تتوسّطهما نجمة داوود عليه السلام.

ومن أصالة الأولى ومن كرم ضيافتها أن قالت للثانية “حياكم الله! ياهلا بالضيفة! قلّما نرى زوّارا هنا حيث يتمسّك كلُّ فرد بأرضه ويعتزّ بجذوره التاريخية.
كل حبة رمل هنا تحكي قصّة، وكلُّ ركن هنا شهد ملحمة، وكلُّ سفح رامة شهد فراق عاشقين، هنا النخل عال، لا ينحني ولا تذهبه ريح، يموت وقوفا، هنا حيث الوطن والشتات…”.
ثم أدركت لوهلة أنها أطلقت العنان لخيالها فاستطردت قائلة: “فلتشربي أوّلا يا بنت العمّ، يقال أنّ مياه بئر “الخريبه” وبئر “زمزم” تتفجر من سراج واحد”.
ومن سفاهة الثانية أن قالت : “وتسمّين هذا القفر الموحش وطنا؟ وهذه العزلة أرضا؟ أين أنتم من “رياض” جدي وقصوره؟ قلتِ الخريبه؟ نعم هذا من ذاك.
سيحل الخراب هنا قريبا و سيستبدل جدي بأكواخكم القذرة قصورا فارهة، وبمستنقعاتكم المتعفّنة حمامات سباحة فرنسيّة، وبرمالكم المتبعثرة طرقا معبّدة، وقد نقتلع نخيلكم وأشجاركم وأعينكم وألسنتكم وقد نقطّع أوصالكم فمنشارنا من صديد وقبضتنا من حديد”.
ثمّ أشاحت بوجهها ورفعت أحد أطرافها وتبولت في البئر والابتسامة الخبيثة تعلو محيّاها.
ثم التفتت للحويطات وقالت: “أنا نيوم، حفيدة “ميلي”، الكلبة الأولى التي وضعت جراءها في غرفة نوم الرئيس بوش، يومها خرجت السيّدة باربرا ملؤها الفرحة لتعلن للصحافة أنّها أصبحت جدّة لستّة كلاب صغار يتمتّعون جميعهم بصحة جيّدة، ثمّ كبرت هذه الجراء وأُرسلت أربعة منها إلى أبو ظبي، والرياض، والقاهرة، وتل أبيب، وبقي اثنان من إخوتي هناك في واشنطن.
وُلدتُ حيث تؤخذ القرارات العالميّة، وتُخدّر الضمائر، وتنعدم الأخلاق والقيم، فارجعي إلى قبيلتك، قولي لهم عبثا تحاولون، نحن اليوم في جنود لا قبل لكم بها…”.
أطرقت الحويطات مليّا ثم رفعت رأسها عاليا كأنّما تشق عنان السماء ونفخت صدرها وزمجرت: “أما والله إنّك لرخيصة خسيسة، وإنّي الحويطات، لحمي مرٌّ سائغ، وجدّتي “سراب” ناقة البسوس وشعلة حرب الأربعين سنة، حرب الثأر واستئصال الغدر، وجدّة جدتي ناقة صالح بنت الصخر.

ووالله لندافعنّ عن حبات الرمل في الصحراء حتى آخر قطرة من دمائنا.
قد علمتنا البيداء أن نصبر طويلا، وقد تموت الصحراء أعواماً كثيرة، ولكنها لا تميت أهلها أبداً”.
اقرأ أيضًا: بن سلمان شريكاً في مؤسسة عالمية ليعوض نقص الاستثمار الأجنبي في نيوم