لم تمر فترة كبيرة على إعلان بن سلمان عن مشروع نيوم، إلا وتم الإعلان عن صفقة بين مصر والسعودية تنازل خلالها السيسي عن ألف كيلو متر من أراضي سيناء المصرية على الساحل الشرقي لخليج العقبة لصالح المشروع.
هذا الإعلان أثار جدلاً واسعاً حينها، لكن القيادات المصرية والسعودية، إلى جانب القيادات الأردنية زعموا أن شراكتهم في هذا المشروع الهدف منها تكوين بنية هيكلية بين الثلاث الدول بهدف إنعاش الاقتصاد والسياحة، لكن ومع موجة التطبيع التي دشنها السيسي من الأمم المتحدة، ودعمتها السعودية وابتدأت الإمارات أولى مراحلها قبل أن تسحب في ركابها البحرين، تبين للجميع بأن الكيان الصهيوني المحتل مشارك في المشروع بقوة، دون الإعلان عن نفسه، هذا إن لم يكن هو الداعم الرئيس لهذا المشروع.
جميع الشواهد أكدت أن المستفيد الأكبر من “نيوم”، هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي لم يكن لها أي هدف منذ بداية توغلها في الأراضي العربية سوى محو الوجود العربي وتدمير العروبة، والقضاء على أي وسيلة يمكن من خلالها تحقيق حلم الوحدة العربية القديم.
فكيف يشكل “نيوم” مصدر خطر على القضية الفلسطينية ووحدة العرب؟
بالنسبة للكثيرين، فإن هذا المشروع -بغض النظر عن فرص نجاحه أو فشله- ما هو إلا مشروع استثماري جاء نتاج شراكة متعددة بين دول متعددة، لكنه في الحقيقة مشروع يهدف إلى التأثير المباشر والمستقبلي على أطر العمل العربي المشترك، وهو بالتبعية سيؤثر على قرارات تلك الدول، وبخاصة على القرار المصري، الرافض لتشكيل تلك الأطر الفرعية مثلما جرى قديما أيام عبد الناصر، ضد الاتحاد الهاشمي، والهلال الخصيب، أو ما جرى خلال أيام حكم السادات عندما انتشرت تلك البؤر التي ساعدت على الفرقة بدلاً من التوحد، مثل مجلس التعاون المغربي، ومجلس التعاون العربي، ومجلس التعاون الخليجي، وجميعا كيانات كانت بمثابة تقسيم للأمة العربية المقسمة أصلا، لم تضف جهدا إلى وحدة العرب ولا قوتهم.
مشروع نيوم في حقيقته أشبه بتلك الكيانات، فما هو إلا أرضا جديدة مقسمة، منزوعة الوصاية من الدول الثلاث، حيث سيكون لها حكومة خاصة، لهذا، لمن يا ترى ستكون تلك الأرض مستقبلا؟ سيما بعد محاولات تلك الدول جعل دولة الاحتلال الإسرائيلي دولة ذات وجود طبيعي بين الدول العربية.
ما سبق هو الخطر الأول لنيوم على الواقع العربي، لكن يظل الخطر الأكبر لهذا المشروع هو تأثيره السلبي على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، إذ إن الغرض الرئيس لهذا المشروع هو تكوين وخلق كيان تحالفي من العدم مع إسرائيل، متناسيا عن عمد كافة الحقوق الفلسطينية، ليتم تمييع بل تصفية قضية العرب والمسلمين الأولى، وعليه فإن هذا المشروع سوف يكون بمثابة ورقة ضغط على الفلسطينيين والعرب بقبول الأمر الواقع في حل القضية الفلسطينية، وهو الذي يقول بأن إسرائيل دولة طبيعية مثل كل الدول التي حولها، في حين ستصبح فلسطين دولة غريبة بينهم تبحث عن مكان لها تقام عليه.
خطر آخر يمثله نيوم على الواقع العربي ووحدة الأمة العربية، من خلال فصل دول المغرب عن المشرق، حيث سينشأ عن هذا التعاون الإقليمي التحاق بقية دول الخليج عاجلا أم آجلا بهذا المشروع لاستكمال حلقة التطبيع مع إسرائيل، وبتكوين العلاقات بين الدول العربية وأمريكا ودولة الاحتلال، لن يكون لبقاء دول المغرب العربي حاجة في البقاء على خريطة الدول العربية، وهو ما سيكون دافعا لتلك الدول بالسعي ناحية الدول الأوروبية وهو ما سيخلق شتاتا عربيا، برعاية السعودية، ما اعتبره محللون ضربة قاضية لوحدة الدول العربية بخلق هذا الإطار التعاوني الإقليمي، على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي، لأن هذا النوع من المشروعات الضخمة، كما يرى مختصون، يصحبه خروج تلك المساحات من سيطرة الدول قضائيا وقانونيا، ويخضع لقواعد وقوانين دولية في كافة مجالات الحياة، الجمارك والضرائب والإدارة العامة والتنفيذية وغيرها، وهو ما يترتب عليه خطورة شديدة على سيادة الدول حال وقوع خلاف حول أية أزمة خاصة بالمشروع، وما دامت دولة الاحتلال طرفا في المشروع فالمشكلات والأزمات من أجل تدويل قضية تلك المساحة دوليا قادمة لا محالة.
جدير بالذكر أن هذا المشروع قائم على أنشطة سياحية ترفيهي عقارية خدمية تسويقية، وهو ما من شأنه صنع اختلالات في بنيان الدول الاقتصادي، فغلبة الأنشطة الترفيهية والسياحية على اقتصاديات الدول غير مأمونة العواقب وخاصة في أزمات العالم المشكلة مثلما نرى في مشكلة وأزمة انتشار فيروس كورونا.