إن للمشاريع العملاقة على البيئة تأثيرا كارثيًّا، إذ ضاعف تبعات ما سُمِّي «حقبة الأنثروبوسين»، أو ما يعرف بعصر طغيان النشاط البشري وتمدده واستحواذه على الكرة الأرضية، فقد تآكلت الطبيعة وخُصِّصت آلاف الأميال من الأراضي الصحراوية والزراعية لبناء المدن التي يجب أن تستوعب تلك المشروعات الضخمة، حتى البحار لم تسلم من تمدد الإنسان وتحكماته في الطبيعة.

ومن أوضح الأمثلة على ذلك بيئة الصحراء ومساحات البحار في دول الخليج، والتي قد أعيد تشكيلها بما يعرف في علوم الطبيعة بتسليع البيئة، وبرغم مساحات الدول والتي تعد بالنسبة إلى كثافة السكان واسعة جدا، إلا أن غالبية تلك الدول لم تفكر في تطوير المدن القائمة وإنما تسعى بكل جهدها لبناء مدن أخرى جديدة، وكلما فشلت مشروعاتهم راحوا يسعون لإنشاء غيرها وهكذا، لذا يرى كثير من المتخصصين في علوم البيئة والجيولوجيا بأن هذا الضغط الشديد على تكوينات الطبيعة والبيئة ما كان ليمر دون أضرار جسيمة، ومن تلك الأضرار أن أصبح في بلاد الخليج خمسة مدن تصنف بين العشرين مدينة الأكثر تلوثا في العالم.

كما أعلن كثير من العلماء والمتخصصين خوفهم من التغيرات المناخية الشديدة إثر ما تفعله الدول من تعدي على البيئة، وهو ما قد يصل بدرجات الحرارة إلى معدلات قاتلة مع الوقت نتيجة للاحتباس الحراري، واستنزاف المياه العذبة في باطن الأرض بعدما أخذت ملايين السنوات حتى تكونت وتجمعت، وعليه يبقى السؤال، هل يضر مشروع نيوم – ما أطلق عليه ولي العهد السعودية مدينة الذكاء الاصطناعي، أو مدينة الروبوت- بالعيش المستقبلي في مدن الخليج، هذا لو سلمنا لافتراض نجاح المشروع وتمامه وهو الأمر الذي لم يجمع عليه المتخصصون في مجالات التخطيط والإدارة والرؤى المستقبلية، خاصة بعد عجز الموازنات العامة للدول، وارتفاع تكلفة المشروع؟
في الحقيقة لا يبدو أن ما تقدم عليه بعد تلك الدول وعلى رأسها السعودية برؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي، يبشر بالتفكير الإيجابي في تلك المعضلة، ولعل ارتفاع معدلات الدخل لدولة السعودية خلال الفترات الماضية، قبل أن تحدث أزمات النفط، وأن يتولى ترامب الرئاسة في أمريكا، غر ولي العهد بأنه قادر على توفير رؤوس الأموال لبناء مدن جديدة من الصفر، بمعزل عن واقع شعبه، ومن العجيب بأن ولي العهد قد أطلق 5 مشروعات تمثلت كلها في مدن حديثة، لم تنجز واحدة منها حتى الآن على نفس الخطة التي قد أطلقت بها، فكيف لمشروع مثل نيوم بتلك التكلفة وهذه الرؤية الأقرب للخيال أن يتم، في عز أزمات ضخمة تعيشها المملكة.

من العجيب أيضا أن رؤية 2030 والتي تلخصت في نيوم لم تستهدف مشروعات إنتاجية لمستقبل المملكة كما سوّق الإعلام السعودي لها، فلماذا لم يكن ببال ولي العهد السعودي أن يوجه ما في حوزته وتحت يده من أموال شعبه، لمشروعات إنتاجية تفيد المواطن، وتوفر فرص العمل للشباب والعاطلين، وتخفض نسبة الفقر العالية في المملكة، بدلا من أن يضخ بمليارات في مشروع وهمي في صحراء المملكة، يبدأ من الصفر ليخدم به كما يقول “الحالمين” في العالم؟ ولماذا يسعى بن سلمان لإسعاد الحالمين في العالم من الأثرياء بدلا من أن يحقق أحلام وطموحات شباب شعبه؟ الحقيقة الوحيدة للإجابة على هذا، هي أن محمد بن سلمان لا يعرف واقع الشعب، ولم يعرف ما يعانيه المواطن من أزمات، كما أنه لم يعش حياة الناس في بلده، ولم يتعرف على مشكلات الشارع السعودي، ولا على أزمات البنية التحتية، وما يصحبها من خدمات تيسر على الناس حياتهم.