منذ الإعلان عن مشروع مدينة نيوم، الابن المدلل لولي العهد السعودي- محمد بن سلمان، وهو لم يتوقف عن إطلاق وعود براقة في أن تصبح نيوم مدينة فاضلة عصرية ذات مستقبل أفضل وأكثر تطوراً في محاولة للترويج لها وإقناع الجمهور المحلي والعالمي بها وبأهميتها وبضرورة إنشائها.
مخطط المدينة -الذي لا وجود له حتى الآن سوى في عقل بن سلمان- عبارة عن مدينة إليكترونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تشغيل كل شيء بها، حتى وسائل التنقل بداخلها -بحسب بن سلمان- ستكون سيارات طائرة، والخدم هم من الروبوتات، وشواطئها من الرمال المضيئة، بل إن البشر الذين سيعيشون فيها هم من فئة مختلفة تماماً عن البشر العاديين في هذا العصر، إذ يدعي بن سلمان أن النظام الصحي في نيوم سيكون متطوراً لدرجة أنه سيمكن المقيمين فيها للعيش لمئات السنين.

تلك الوعود التي صاحبت نيوم كانت كافية لأن تجعلها -وبغير قصد من الأمير- في حالة كبيرة من الفوضى، فضخامة الوعود مع قلة الإمكانيات أوقعت بالمدينة في ورطة كبيرة، إذ لم يتم تنفيذ أي منها، فالمدينة لا تزال مجموعة من الرمال الصحراوية التي لم يُبن عليها سوى قصور قليلة للملك وعدد من الأمراء، مع مطار خاص لم تهبط به سوى طائرات تحمل وفود دبلوماسية لعقد لقاءات سياسية حول عدة مواضيع بما فيها مسألة التطبيع العربي الإسرائيلي، حيث تم عقد لقاء سري بين نتنياهو وبن سلمان لمباحثة هذا الأمر.
المدينة التي كان يأمل بن سلمان ببنائها أن ينتقل بولايته إلى العالمية ويتربع على عرش الدول المتقدمة ويصنع حضارة خاصة به، تعاني الآن من تخبط واضح بدأ في التأثير سلباً على رصيد بن سلمان الذي لم يكن بخير من الأساس.
هذا التخبط يعود إلى فشل التخطيط، وعدم ترتيب الأولويات، والاندفاع والتهور، فالمدينة ومنذ اليوم الأول تواجه العديد من العقبات، ولكن بن سلمان لا يملك سوى عقلية لا تعرف حل المشاكل إلا بمشاكل أخرى.
على سبيل المثال، مشكلة قبيلة الحويطات، بدلاً من حلها بالحسنى والنقاش والتحاور ودفع تعويضات مناسبة لأبناء القبيلة المطلوب منهم إخلاء أراضيهم وأراض أجدادهم من أجل المدينة، استخدم في المقابل القوة المميتة لإجبارهم على الرحيل.

تمويل المشروع واجه العديد من المشاكل أيضاً، والتي لم تنته حتى الآن، إذ هرب المستثمرين الأجانب بسبب السمعة السيئة للمملكة التي لطخها محمد بن سلمان بممارساته القمعية ضد حقوق الإنسان، وبسبب الأزمة المالية التي دخلتها المملكة في أعقاب جائحة كورونا، وبدلاً من تأجيل المشروع حتى يقف الاقتصاد على أرض صلبة، صمم ولي العهد على استكمال المشروع بشراء أسهم في شركات أجنبية لإرغامها على الدخول في المشروع، وباستنزاف ثروات المملكة واحتياطها رغم حاجة الشعب لكل هذه المليارات المتدفقة لمشاريع الأمير الشاب.
وما يزيد الأمر تعقيداً، أنه رغم كل هذا العراقيل والمشكلات، قرر بن سلمان التوسع في بناء مشاريع داخلية داخل مشروع نيوم الأم، مثل مشروع مدينة “ذا لاين”، الذي سيكلف المملكة عشرات المليارات من الدولارات بالإضافة لتكلفة نيوم البالغة 500 مليار دولار.
من ضمن أزمات التخطيط أيضاً، أن الإعلان عن مدينة نيوم نفسه لم يتم مراجعته بشكل صحيح مع الدولتين اللتين كان من المفترض أن تكونا شريكتين للسعودية في إطلاقه: مصر والأردن، إذ أبدت حكوماتهم استياءهم عندما كشف بن سلمان عن الخطة أمام قادة العالم، لكنهم قرروا عدم إصدار أي بيانات في ذلك الوقت.
اقرأ أيضًا: نيوم يكشف الوجه الاستبدادي لنظام المملكة تحت ولاية عهد شاب متهور