على مدار عقود، كان يُنظر إلى الصين بوصفها عاصمة الديكتاتورية الرقمية في العالم، إذ توظف بكين التكنولوجيا بكل طريقة ممكنة لبسط سيطرتها على حياة الناس، ولا مكان عندها للخصوصية أو حفظ أسرار الناس، إذ إن كل شيء مباح في سبيل إحكام السيطرة.. ويبدو أن لقب عاصمة الشر الرقمي سينتقل إلى أخيرا إلى منطقتنا العربية.. وبالتحديد مدينة نيوم السعودية.
هي مدينة المستقبل، عاصمة الريادة، القبلة السياحية العالمية الجديدة.. كل هذه الألقاب الفضفاضة، وغيرها الكثير، لا يتوقف الإعلام السعودي كل لحظة عن وصف نيوم بها، والتي شرع بن سلمان في بنائها بالقرب من البحر الأحمر، ويسعي لإدخالها حيز الجهوزية الكاملة خلال هذا العام، لكن المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، لشؤون الشرق الأوسط، بروس ريدل، تحدث لموقع «سباي توك» الأميركي المتخصص في شؤون الاستخبارات، وقال إن خبراء وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، يعملون حاليا على تقييم خيارات الرئيس الجديد جو بايدن في التعامل مع السعودية، وتعرضوا خلال ذلك لمستقبل مدينة نيوم السعودية.
الموقع الأمريكي، الذي نشر تلك التصريحات ضمن تقرير لـ«جوناثان برودر»، مراسل الدفاع والشؤون الخارجية، اعتبر أن التعامل مع ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، يشكل المعضلة الرئيسية أمام بايدن في صياغة علاقة إدارته مع الرياض، وذلك للجرائم العديدة الذي تورط بها.
وفي سياق الحديث عن نيوم، توقع الموقع أن عملية التخلص من بن سلمان باتت صعبة هذه الأيام، والفضل في ذلك يعود لمدينة نيوم، التي هي في الواقع مدينة مستقبلية بالفعل، ولكن ليس في التقنيات الشعبية التي توفرها للناس، وإنما في تقنياتها العسكرية والتتبعية، والتي تجعلها -عمليا- قلعة محصنة، يقضي فيها بن سلمان معظم وقته بعيدا عن الناس.
وفي حديثه عن نيوم، يقول ريدل، الذي يعمل الآن خبيراً في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد بروكنغز في واشنطن، كاشفا عن الهدف الحقيقي من بناء المدينة: “بن سلمان لم يفتأ في الفترة الأخيرة يقضي معظم وقته في “نيوم”، تلك المدينة المستقبلية عالية التقنية، التي يشيدها بالقرب من جدة، والتي تكاد تكون خالية تماماً من الناس”، مضيفا: «لا يوجد من يعيش فيها حتى الآن، ولذلك فتأمينها أمر سهل جداً».
أما دوغلاس لندن، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فيشير إلى أن محمد بن سلمان يدير من “نيوم” جهازاً لجمع المعلومات الاستخباراتية، تتغلغل أذرعه في كافة أنحاء البلاد، يقوم على الدوام برصد وتحديد الأخطار المحدقة به، وخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومضى يقول: « لدى محمد بن سلمان في نيوم الكثير من الأشخاص المكلفين بمراقبة الناس الذين معهم والذين من حولهم.
وليس أدل على الهدف من بناء تلك المدينة المحصنة إلا تصريحات موظف سابق في السي آي إيه ممن عملوا لسنوات طويلة في الشرق الأوسط، وتحدث للموقع الأمريكي، عن أن محمد بن سلمان يمسك بيده الآن عبر نيوم جميع أجهزة الأمن والمخابرات في المملكة، ولعل هذا ما يفسر تواجد بن سلمان معظم الوقت في المدينة… لمراقبة المواطنين، ولحمايته من الشعب الذي يريد أن يصبح ملكاً عليه.
فبعد ثلاث سنوات من الإعلان عن المشروع… لا زالت صحراء لا تحتوي إلا على دماء أبنائها المهجرين، إذ تم الإعلان عن نيوم في أكتوبر 2017، لتصبح هي أبرز مشاريع رؤية 2030 لمحمد بن سلمان – وهي محاولة من قبل المملكة لتنويع اقتصادها بدلاً من الاعتماد الكلي على انتاج النفط- من المقرر أن تُفتتح بحلول 2025.
وحتى الآن، يوجد بالمدينة مطار وقصر وعدد قليل من الفنادق، بل إن الدعاية الخاصة بالمدينة لا تظهر وجود أي من تلك المشاريع المتطورة، على العكس، لا تُظهر سوى صور عامة للكثبان الرملية بجودة عالية.
ليس غريباً ألا يحرز المشروع أي تقدم حتى الآن، إذ تعرض لعدد من الانتكاسات التي حالت بينه وبين تنفيذ وعود بن سلمان. كانت النكسة الأولى للمشروع هي مقتل الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد النظام السعودي في القنصلية السعودية بإسطنبول، حيث جعلت هذه الحادثة البشعة محمد بن سلمان “منبوذًا دوليًا”، وخلقت لدى المستثمرين الأجانب حالة من العزوف عن الاستثمار في المملكة.
بالإضافة إلى ذلك انسحب عدد من المستثمرين من المشروع وتراجعوا عن صفقات الشراكة معه، بعد الهجوم الشعبي الضخم على إدارات تلك الشركات العالمية انتقاداً لها على العمل مع نظام صاحب سجل دموي وسيء فيما يتعلق بحقوق الإنسان
انخفاض أسعار النفط، بسبب جائحة كورونا، كان له تأثير كبير على المشروع أيضاً، إذ تم تخفيض الإنفاق العام في المملكة العربية السعودية بشكل كبير، وعلى الرغم من أن هذا لم يمنع بن سلمان من الانفاق على مشاريعه، إلا أن حالة الركود العام لاقتصاد الدولة كان يجب أن تؤثر على هذه المشاريع.
ومع كل هذه الإخفاقات، كان يجب للنظام أن يبحث عن منفذ لحفظ ماء وجهه وللتأكيد على أهمية المشروع، لذلك قرر تحويل المدينة لمركز للسياسات الدولية، فبدأ النظام في عقد اجتماعاته هناك، وكانت نيوم وجهة الملك سلمان للنقاهة حين كان مريضاً، كما استضافت المدينة اجتماعاً سرياً مع رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.