بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، والإدانات الدولية واسعة النطاق لجرائم الاحتلال الصهيوني، أصبح من واجب النظام السعودي الآن التراجع عن كافة خطط تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتي باتت وشيكة بعد تغير لهجة الخطاب الرسمي السعودي تجاه الكيان المحتل، وفتح المجال الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، واستقبال المسؤولين الرسميين الصهاينة داخل الأراضي السعودية.
مدينة نيوم، الابن الأكبر لمشاريع رؤية 2030 الخاصة بولي العهد السعودي والتي تهدف لتنويع مصادر الدخل، هي أكبر ركيزة في العلاقات السعودية الإسرائيلية، حتى لو لم يتم الإعلان عن ذلك رسمياً بعد، لكن كافة الشواهد والدلائل تؤكد ذلك، من جهة بسبب الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود التي يحتلها الكيان الصهيوني، ومن جهة أخرى بسبب السماح لشركات إسرائيلية أو مملوكة لمؤيدين للاحتلال بالإشراف على أجزاء من المشروع.
بحسب المحللين والخبراء، فإنه لا يمكن إنجاز نيوم دون التنسيق مع دولة الاحتلال، وفي سبيل ذلك سلكت المملكة سبل عدة، بدءً من الاستحواذ على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتَين قبالة الساحل السعودي وشبه جزيرة سيناء، حيث تخطط السعودية لتشييد جسر يعبر مضيق تيران ويربط مصر بمدينة “نيوم”، لكن من أجل توسيع الطريق السريع السعودي 392 وبناء جسر سعودي-مصري، يجب إجراء مفاوضات مع إسرائيل بهذا الخصوص، فمعاهدة السلام -المعروفة بمعاهدة كامب ديفيد- التي وقّعتها مصر مع إسرائيل أواخر سبعينيات القرن الماضي تنص على ضمان مرور السفن الإسرائيلية مجانًا عبر مضيق تيران، وعليه يمكن الاستنتاج بسهولة لماذا يتوقّف المشروع على موافقة إسرائيل.
وكما ذكرنا في مقال سابق، فإن مدينة نيوم لبنة أساسية في المشروع الصهيوني الذي يسعى للسيطرة على جزء كبير من الوطن العربي ومقدراته، والمطلع على ما يسمى بخريطة “إسرائيل الكبرى” أو “إسرائيل العظمى” يعي ذلك جيداً. حدود تلك الخريطة بحسب النسخ المنشورة منها -والتي لم يتم ترسميها عبثاً- يتضح فيها سيطرة الكيان المحتل على فلسطين وجزء من سوريا والعراق ولبنان والأردن ونصف شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر وسيناء مصر، ومدينة نيوم تقع تماماً في هذه المنطقة بالإضافة إلى جزيرتي تيران وصنافير الذي تنازل عنهما السيسي للنظام السعودي في صفقة تقوض من صلاحيات مصر التي حصلت عليها بموجب اتفاقية “كامب ديفيد“.
إذاً ومن خلال ما سبق يتضح جلياً أن مدينة نيوم تخدم في المقام الأول مصالح الكيان الصهيوني المحتل، ولعل هذا ما يفسر إصرار بن سلمان على المضي قدماً في بنائها رغم كل العراقيل الاقتصادية التي خرجت أمامه وكان يجب أن تقف عقبات أمام استمرار هذا المشروع، وتفضيل مصلحة الشعب الداخلية بدلاً من إهدار مقدراته على مشاريع حتى الآن لم تثبت سوى أنها وهمية.
من المؤكد أن بن سلمان وحاشيته يجدون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه الآن، لكن إن كان يسري في دماء بن سلمان أي معاني للعروبة أو النخوة أو الكرامة، فإن قرار إيقاف العمل بمشاريع مدينة نيوم لن يأخذ منه لحظات حتى يعلن عنه، من أجل إحباط رغبات الكيان المحتل في السيطرة على المنطقة، وإفساد كافة المخططات الصهيونية وضرب مصالحها في مقتل، ومن جهة أخرى تلبية لاستغاثات غزة المكلومة والشعب الفلسطيني المنكوب، الذي يتجرع ويلات الحرب والقهر والموت والدمار بسبب العدوان الغاشم للصهاينة المحتلين.
اقرأ أيضًا: هل تنتصر نيوم على البنية المجتمعية السعودية بثقافتها المنفتحة وانسجامها مع رؤية إسرائيل؟