في نظرة متعمقة على الوضع الحالي، والصراع الدائر بين المملكة السعودية والإمارات في السر، والذي بدأت ملامحه تظهر للعلن، نجد أن الخلاف اقتصادي بشكل أساسي، أضف إلى ذلك السبب الاقتصادي خروج الدولتين عن التوافق السياسي حول الملفات التي تعاونتا فيها سياسيا وأمنيا، كملف اليمن، وحصار قطر، والتقارب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
فعلى مدى العشر سنوات الماضية، ومنذ انطلاق ثورات الربيع العربي، كانت السعودية والإمارات في جانب واحد، داعم للثورات المضادة، يجمعهم تنسيق على كافة المستويات من أجل تمويل الانقلابات التي وقعت على ثورات الشعوب، ومواجهة الحركات التي بدأت تظهر على الساحة باختيار الشعوب لأول مرة، لكنها ما أن تفرغتا من ملف الثورات المضادة حتى بدأت النزاعات على المصالح تثور بينهما، وقد تفوقت الإمارات بتقدم كبير على السعودية، فى كافة الملفات، حتى باتت السعودية معروفة بأنها تابعة للإمارات، وبأن قرارها السيادي والأمني والاقتصادي يتم اتخاذه في أروقة قصر الحكم في الإمارات، وهو ما جعل المملكة تبادر للتخلص من هذا الوصم المهين لتاريخها وحجمها ومكانتها.
كانت صديق قوية قد جمعت بين بن سلمان وبن زايد، لكن بن زايد على ما يبدوا للعيان قد لعب الكرة بابن سلمان، فورطه في حرب اليمن، وكبت الحريات، وغلق المجال العام أمام كافة التيارات في المملكة، كما ورطه في حصار قطر، ومقاطعة تركيا، وارتكاب حادثة خاشقجي، وكل ذلك قد أضر بمصالح الشعب السعودي الاقتصادي والاجتماعية والأمنية، وتلك عاقبة من يتتلمذ على يد الذئب.
الضغوط النازعات السرية بين المملكة والإمارات قويت حتى كسرت حاجز السر والصمت، وفي توصيف لذلك قالت موران زاغا، الخبيرة المتخصصة في شؤون منطقة الخليج في المعهد الإسرائيلي للشؤون الخارجية الإقليمية (ميتفيم): لقد حدث شيء ما في سنوات العقدين الماضيين، جعل كل دولة تتعمق أكثر في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية الخاصة، وتعمل مع الأخرى بشكل أقل.
وأشارت “زاغا” إلى أن التحول الإقليمي بعيداً عن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري، قد أعطى قيمة كبيرة للدول القادرة على إلقاء ثقلها، الأمر الذي ربما أعطى الإمارات العربية المتحدة الزخم لمحاولة التملص من الظل السعودي.
وأضافت: لم يعد لديهم المظلة الدفاعية التي كانت لديهم من قبل، والرغبة الحالية لكل من الدولتين هي زيادة قيمتها النسبية في المنطقة.
ليس الاقتصاد فقط
الخلاف الذي بدا للعلن بين النظامين لم يقف تأثيره عند العلاقات الاقتصادية للمنطقة فحسب، بل أثر على أجندتها الدفاعية أيضا، فبالنسبة للسعوديين، يمثل الإيرانيون التهديد الأمني الرئيسي، بينما ترى الإمارات العربية المتحدة في جماعة الإخوان المسلمين – والمحور التركي القطري الذي يدعمها – العدو الأساسي لها، وهو ما قاله فريدمان: إن أهدافهما الأمنية مختلفة، في حين أن الإمارات ترفض أي وجود لجماعة الإخوان المسلمين، فإن السعودية -وبالرغم من رفضها لوجودها في الداخل- لديها نهجاً أقل عدوانية تجاه جماعة الإخوان خارج الحدود السعودية.
أضف إلى ذلك عمل السعوديون عن كثب مع الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة إيران، وفي المقابل يحتفظ الإماراتيون بقنوات دبلوماسية مفتوحة مع طهران، وعلاقة تجارية منتعشة من دبي إلى الجمهورية الإسلامية، حيث أدركت الإمارات العربية المتحدة، الدولة التي يعتمد اقتصادها على الشحن، أن الولايات المتحدة لن تحميها بالقدر الذي تريده، وقررت أن تأخذ زمام الأمور على عاتقها من خلال تهدئة التوترات مع طهران، وتجنبت تصريحات الحكومة الرسمية بعد الهجمات على الناقلات أن يُنعت الإيرانيون بالجناة، وكانت وسائل إعلامها صامتة نسبياً بشأن دور إيران، وبدأ المسؤولون الإماراتيون في التواصل مع طهران بشأن الأمن البحري.