تحدث خبراء حول حالة الاقتصاد السعودي مشيرين إلى أن معنى الحقيقي للتنمية، أو الخروج من وضعية التخلّف الاقتصادي والتقني، يتمثّل في أن تجد لكلّ أهل بلادك «عملاً شريفاً» منتجاً.
جدير بالذكر أنه لم يجدوا وظائف لها قيمة مضافة في اقتصادٍ حديث، ثمّ ترفع تدريجياً – بالتعليم والاستثمار والأبحاث – من قيمة عملهم وإنتاجيتهم، والهدف هو أن تنتج، عبر هذه العملية، طبقة عاملة مدرّبة وتنافسية، لديها مهارات حقيقية وخبرة وثقافة إنتاج.
يذكر أن المفارقة هي أنّ السعودية لديها أصلاً، سوقاً كبيراً وثريّاً، موارد وفيرة، وغنية برأس المال ولا تحتاج إليه من الخارج.
وفوق ذلك، فهي تعقد علاقات ممتازة مع السوق الدولي وتقدر على استحضار التكنولوجيا والشراكات التي تريدها.
أما في السوق الداخلي فلديها رأس المال اللازم للاستثمار. بتبسيطٍ شديد: السّعودية تستورد، أصلاً، سلعاً وخدمات بمئات مليارات الدولارات سنوياً؛ لو أنك قمت، بدايةً، بإنتاج نصفها داخل البلد فسوف تخلق اقتصاداً بنصف تريليون دولار وتوظّف كلّ الشعب السعودي بالاعتماد كلياً على سوقك الداخلي (وتطلق عملية تنموية صناعيّة على مستوى البلد بأكمله).
كذلك لا يجب، في مثل هذه الحالة، أن تستحضر عمّالاً أجانب إلّا حين تحتاج إلى أن تفرّغ مواطنيك لأعمالٍ ذات قيمةٍ أعلى. لم يأتِ ربط التنمية بـ«التصنيع»، والبناء التدريجي لقاعدة صناعية وعلمية، عن عبثٍ أو عن افتتانٍ بالآلات والعصر الذهبي للماكينات.
على سبيل المثال لا يزيد عدد العاملين في قطاع التصنيع في الصين على 18 في المئة من القوة العاملة، ولكن الاقتصاد الصيني لن يكون شيئاً من غير صناعته. المغزى، كما يقول الألمان، هي أنّ كلّ وظيفةٍ في صناعة السيارات عندهم تستولد خمس وظائف في باقي أرجاء الاقتصاد. القيمة هنا ليست في عدد الذين يوظّفون مباشرةً على خطوط الإنتاج، بل هي أيضاً في ذاك الذي سيعمل معهم في الإدارة والمبيع، ومَن سيصمّم الموقع الإلكتروني، ومدير السوشيال ميديا، والذي سيفتتح مطعماً لخدمة كلّ هؤلاء… والسوق السعودي ثريّ وكبير، هو مثاليّ لتوليد المنافسة، بمعنى أنه لو تبيّن مثلاً أن البوظة التي تباع في البلد سيئة، فستجد تلقائياً عشر شركاتٍ تخرج لاستبدالها وجذب زبائنها.