بينما رُوّج لعام 2024 على أنه سيكون عامًا ذهبيًا للاقتصاد السعودي ضمن رؤية 2030، تحوّل الواقع إلى صورة قاتمة مليئة بالانهيارات المالية، المشاريع الفاشلة، وارتفاع الأعباء المعيشية على المواطن العادي. تحت قيادة محمد بن سلمان، سقطت المملكة في دوامة من التخبط الاقتصادي نتيجة السياسات الطائشة والرهانات الخاسرة التي يدفع ثمنها الشعب السعودي.
رغم كل الوعود بتنويع الاقتصاد، بقيت المملكة أسيرة قطاع النفط الذي شكل أكثر من 70% من عائدات الميزانية. مع انخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2024 وقرار المملكة بخفض إنتاجها بشكل طوعي ضمن تحالف “أوبك+”، تقلصت الإيرادات الحكومية بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم العجز المالي الذي تجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الاعتماد المفرط على سلعة واحدة أثبت أن الرؤية الاقتصادية المزعومة ما هي إلا “فقاعة إعلامية”، تتبخر عند أول اختبار جدي.
لم يكن مشروع نيوم، الذي تم الترويج له كرمز للحداثة والتقدم، سوى مثال صارخ على السفه الاقتصادي. تقرير صادر عن “وول ستريت جورنال” في ديسمبر 2024 كشف عن مشكلات تمويلية ضخمة يعاني منها المشروع، حيث بلغت تكلفة المرحلة الأولى أرقامًا فلكية اضطرت الحكومة إلى خفض الميزانية وتأخير الجدول الزمني. التغييرات المتكررة في القيادة، والإقالات بسبب الخلافات حول التمويل، عكست حجم التخبط في إدارة المشروع، ليصبح مشروع الأحلام عبئًا ماليًا يرهق الميزانية بدلًا من أن يكون قاطرة للتنمية.
رؤية 2030، التي يُروج لها كخارطة طريق لاقتصاد متنوع ومستدام، تحولت إلى سلسلة من الإخفاقات. فعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على إطلاقها، لم يتحقق إلا جزء ضئيل من أهدافها الطموحة، وفشلت في تقليل اعتماد الاقتصاد على النفط أو توفير وظائف مستدامة للمواطنين. وبدلًا من الاستثمار في مشاريع منتجة تدعم التنمية الحقيقية، صُرفت المليارات على مشاريع “فانتازيا” لا تتجاوز كونها أحلامًا خيالية تحلق بعيدًا عن أرض الواقع.
التخبط الاقتصادي انعكس بشكل مباشر على حياة المواطن السعودي، حيث ارتفعت معدلات البطالة بين الشباب إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 13%، وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية في نهاية 2024. أما التضخم، فقد قضى على ما تبقى من القوة الشرائية، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية والخدمات بشكل لافت، ما جعل الحياة اليومية أكثر قسوة، وأثقل كاهل الأسر السعودية، التي وجدت نفسها عالقة بين نار البطالة وجحيم ارتفاع الأسعار.
لم تقتصر المعاناة على المواطنين فقط، بل امتدت إلى العمالة الوافدة التي شهدت أوضاعًا مأساوية في مشاريع ضخمة كمشروع نيوم. تقرير صادر عن منظمة “القسط لحقوق الإنسان” وثّق وفاة 12 عاملًا خلال عام 2024 بسبب ظروف العمل القاسية وانعدام معايير السلامة. بدلًا من معالجة الكارثة، التزمت الحكومة الصمت وزادت من قمع الأصوات الحقوقية التي حاولت تسليط الضوء على هذه الانتهاكات، لتصبح حقوق العمالة وقودًا لأوهام بن سلمان.
في ظل هذا المناخ، أي محاولة لمساءلة القيادة أو حتى انتقاد السياسات الاقتصادية يُنظر إليها كجريمة كبرى. تم إغلاق المساحات العامة للنقاش، وتحولت المنصات الإعلامية إلى أبواق دعائية تروّج لإنجازات وهمية تخفي وراءها فشلًا ذريعًا. المواطن السعودي أصبح بين خيارين: إما الصمت أو مواجهة سطوة النظام القمعي الذي يسحق أي معارضة.
مع نهاية عام 2024، بات واضحًا أن السياسات الاقتصادية لمحمد بن سلمان تحكمها نزعة مراهقة أكثر منها تخطيط واقعي. الأحلام الطموحة التي أُعلن عنها بمليارات الدولارات تحولت إلى كابوس اقتصادي يلاحق المملكة وشعبها. إذا لم تتم مراجعة هذه السياسات، فقد تكون العواقب أكثر كارثية في الأعوام المقبلة. التاريخ لا يرحم من يرفض التعلم من أخطائه، والشعب السعودي يستحق اقتصادًا يخدمه، لا اقتصادًا يستهلك ثرواته باسم أحلام مستحيلة.