من جديد، يعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعروف بتصريحاته الساخرة وحساباته التجارية البحتة، ليُطلق تصريحاته المتهكمة حول السعودية، مؤكدًا استعداده لزيارة السعودية إذا دفعت 500 مليار دولار، لكن العجيب أنه في المقابل، يواصل محمد بن سلمان موافقة رغبات ترامب الساخرة مُنفقًا أموال المملكة بلا خطة واضحة، في مشهد يُعيد للأذهان تكرار صفقات الأسلحة الضخمة والاتفاقيات الاقتصادية التي لم تضف شيئًا يُذكر للسعودية، لا على المستوى العسكري ولا الاقتصادي.
هذه المرة، وربما لكي ينفي عن نفسه صفة التبعية أعلن محمد بن سلمان عن نية السعودية استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة متجاوزا تصريح ترامب الساخر، وهو رقم هائل يتجاوز صفقة عام 2017 التي بلغت 450 مليار دولار، وشملت صفقات أسلحة واتفاقيات تجارية. هذا الاستنزاف المالي يكشف عن غياب رؤية استراتيجية لدى الأمير الشاب، الذي يُفضل الاستعراض والظهور الإعلامي على حساب استثمار حقيقي ينهض بالاقتصاد السعودي، والعجيب أنه في هذه المرة اكتفى ترامب بمكالمة هاتفية، ومع ذلك، لا يتوقف أنصاره وكتائبه الإلكترونية عن الدفاع عن هذا السلوك بعبارات براقة لا تصمد أمام النقد العقلاني، محاولين تبرير ما أصبح يُعرف بـ”حماقة محمد بن سلمان” في السياسة والاقتصاد.
صفقات ضخمة بلا نتائج ملموسة
منذ أن تولى محمد بن سلمان السلطة، شهدت السعودية إنفاقًا هائلًا على صفقات أسلحة واتفاقيات تجارية، أبرزها صفقة عام 2017 التي بلغت 450 مليار دولار، حيث شملت عقودًا في مجالات الدفاع والطاقة والبنية التحتية. لكن رغم هذا الإنفاق الضخم، لم تحقق السعودية أي تفوق عسكري يُذكر.
في اليمن، التي تُعتبر ساحة الاختبار الأكبر للقدرات العسكرية السعودية، لم تُحقق المملكة أهدافها رغم مضاعفة التسليح. لم تتمكن من إنهاء الحرب، بل عانت من استنزاف عسكري ومالي، وواجهت انتقادات واسعة النطاق على المستويين الإقليمي والدولي. فكيف يُمكن تبرير صفقات بمئات المليارات بينما يبقى الجيش السعودي عاجزًا عن تحقيق اختراقات استراتيجية؟
أما على المستوى الاقتصادي، فالوضع ليس أفضل حالًا. السعودية لا تزال تعتمد بشكل شبه كلي على النفط كمصدر رئيسي للدخل. مشاريع “رؤية 2030”، التي يُروج لها الأمير الشاب كخطط تنويع اقتصادي، لم تُحقق أي نتائج ملموسة حتى الآن. بدلًا من ذلك، باتت المملكة تُغرق نفسها في مشاريع خيالية مثل “نيوم”، الذي أصبح رمزًا للتبذير وسوء الإدارة.
ترامب: “ادفعوا المزيد وسأتعاون معكم”
لا يخفى على أحد أن ترامب يرى السعودية، وتحديدًا محمد بن سلمان، كآلة طباعة أموال. خلال فترة رئاسته، كان ترامب واضحًا في تصريحاته حول استعداده للتعاون مع المملكة مقابل مليارات الدولارات. وفي الصفقة الجديدة لعام 2025، طلب ترامب بشكل مباشر 600 مليار دولار كاستثمار سعودي في الاقتصاد الأمريكي. هذا الرقم يُعد استنزافًا جديدًا يُضاف إلى الصفقة السابقة بقيمة 450 مليار دولار، التي لم تحقق أي إنجاز يُذكر للسعودية.
لكن الغريب أن هذه التصريحات، التي تُعتبر إهانة واضحة للسعودية، تُقابل بتبريرات واهية من قبل أنصار محمد بن سلمان. يزعم هؤلاء أن “السياسة مبنية على المصالح المشتركة وليست على العواطف”، وكأن الاستنزاف المالي والتبعية المطلقة هما جوهر المصالح المشتركة.
الحقيقة هي أن هذه التبريرات ليست سوى محاولة لتجميل الفشل. ترامب، سواء خلال فترة رئاسته أو بعدها، لم يتوقف عن السخرية من محمد بن سلمان ووصفه بأنه “الأمير الذي يحب الدفع”. ومع ذلك، يواصل الأمير ضخ الأموال في صفقات ضخمة مع الولايات المتحدة، دون أن يحصل على مقابل سياسي أو استراتيجي يُذكر.
النظريات الواهية لأنصار بن سلمان: تبرير الفشل بالإهانة
من أبرز العبارات التي يروج لها أنصار محمد بن سلمان لتبرير التبعية المطلقة لترامب: “السياسة فوق الطاولة للعامة وتحت الطاولة للدوائر السياسية”. هذه العبارة تبدو وكأنها محاولة لإقناع المتابعين بأن الإهانة العلنية التي يتلقاها محمد بن سلمان هي جزء من خطة استراتيجية سرية!
لكن الواقع يكشف عكس ذلك تمامًا. ترامب، الذي لا يُجيد التحدث بدبلوماسية، لم يُخفِ يومًا استغلاله للسعودية كمصدر للمال. وبدلًا من أن يكون محمد بن سلمان شريكًا سياسيًا مؤثرًا، أصبح مجرد مصدر لتمويل سياسات ترامب الداخلية، التي يستغلها لتلميع صورته أمام الشعب الأمريكي.
كما يدعي أنصار بن سلمان أن الإنفاق السعودي يهدف إلى “تعزيز قوة المملكة العسكرية” استعدادًا للتحولات الكبرى في العالم. لكن هذا الادعاء يتهاوى أمام الواقع: لم تحقق السعودية أي إنجاز عسكري يُذكر، بينما تستمر في استنزاف ثرواتها في صفقات لا طائل منها.
في السابق، كانت السعودية تُعتبر من الدول ذات الثقل السياسي الكبير في المنطقة. لكنها اليوم، في ظل سياسات محمد بن سلمان، فقدت هذا الدور لصالح دول أخرى كالإمارات وقطر. بدلًا من أن تكون السعودية لاعبًا أساسيًا، أصبحت تُدار وفقًا لإملاءات القوى الكبرى، وتحديدًا الولايات المتحدة.
سياسات محمد بن سلمان، التي تعتمد على الإنفاق الضخم دون تخطيط، لا تُظهر سوى ضعف في الرؤية وافتقار للقيادة. المملكة بحاجة إلى استراتيجيات حقيقية تُركز على تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقلالية السياسية، بدلًا من الانجرار وراء أوهام التفاخر والمشاريع الخيالية.
في النهاية، يبقى السؤال: إلى متى ستستمر هذه المهزلة؟ محمد بن سلمان لا يُدير المملكة وفق رؤية استراتيجية، بل وفق نزعات شخصية واستعراض إعلامي، بينما يستغل ترامب وأمثاله هذا الضعف لتحقيق مكاسب على حساب الشعب السعودي وثرواته.