في عالم السياسة والاقتصاد، تُبنى الدول على القرارات الاستراتيجية المستقلة التي تحمي مصالحها الوطنية وتضع أولوياتها في مقدمة الاهتمامات. لكن في السعودية، يبدو أن المسار مختلف تمامًا في ظل سياسات محمد بن سلمان. فقد شهدت المملكة تراجعًا ملحوظًا في توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025، بينما تستمر التبعية الأمريكية في فرض إملاءاتها على الرياض. طلب ترامب الأخير بخفض إنتاج “أوبك” يمثّل ضربة قاسية للاقتصاد السعودي، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على النفط. هذا بجانب استثمارات سعودية ضخمة تُضخ في الاقتصاد الأمريكي دون تحقيق أي عوائد حقيقية، وسط تصريحات ترامب المهينة التي لم تتوقف عن السخرية من محمد بن سلمان.
تراجع الناتج المحلي في ظل رؤية مشوشة
في آخر تحديث لتوقعات صندوق النقد الدولي، خُفضت توقعات النمو الاقتصادي للسعودية لعام 2025 إلى 3.3%، ما يُظهر هشاشة الاقتصاد في ظل استمرار اعتماده المفرط على النفط. وعلى الرغم من شعارات رؤية 2030 التي تعد بتغيير جذري في البنية الاقتصادية، لم تحقق هذه الرؤية تقدمًا يُذكر في تقليل هذا الاعتماد.
تخفيضات الإنتاج النفطي التي تقودها السعودية ضمن مجموعة “أوبك+”، والتي جاءت بناءً على طلب أمريكي لضبط أسعار السوق العالمية، كانت السبب الرئيسي في هذا التراجع. قرارات تخفيض الإنتاج تؤثر مباشرةً على إيرادات المملكة النفطية، مما يُضعف قدرتها على تحقيق النمو الاقتصادي المنشود. ومع كل تخفيض في الإنتاج، يزداد الضغط على الاقتصاد السعودي الذي لم يتمكن حتى الآن من بناء قاعدة اقتصادية متنوعة تعوض خسائر النفط.
ترامب و”أوبك”: تهديد مباشر للاقتصاد السعودي
لم يكتفِ ترامب بدفع السعودية إلى استثمارات بمليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، بل ذهب مؤخرًا إلى طلب خفض أسعار النفط عبر منظمة “أوبك+”. طلب ترامب بخفض أسعار النفط لا يخدم سوى المصالح الأمريكية، حيث يسعى لتقليل الضغط على المستهلكين الأمريكيين وتحقيق مكاسب سياسية داخلية، لكنه يُهدد مباشرةً اقتصاد السعودية الذي يعتمد على إيرادات النفط بشكل رئيسي.
ترامب، المعروف بأسلوبه الصريح والمباشر، لم يتردد في استغلال محمد بن سلمان، واصفًا إياه بأنه “الأمير الذي يحب الدفع”. هذه التصريحات لم تكن مجرد إهانة شخصية، بل تعكس حقيقة أن السعودية أصبحت أداة في يد السياسة الأمريكية، تُستخدم لتحقيق أهداف واشنطن دون النظر إلى تداعيات ذلك على الاقتصاد السعودي.
استثمارات ضخمة بلا عوائد
محمد بن سلمان، الذي يسعى لتقديم نفسه كقائد طموح وصاحب رؤية للمستقبل، قام بضخ استثمارات هائلة في الاقتصاد الأمريكي بلغت 450 مليار دولار في عام 2017، تبعها إعلان عن نية استثمار 600 مليار دولار أخرى في 2025. هذه المبالغ الهائلة تُوجه إلى الاقتصاد الأمريكي دون أي ضمانات لعوائد حقيقية للمملكة.
الصفقة السابقة، التي تضمنت عقودًا ضخمة لشراء الأسلحة، لم تُحقق أي تفوق عسكري يُذكر للسعودية، حيث استمرت في مواجهة انتقادات لفشلها العسكري في اليمن. أما الصفقة الجديدة، التي تُروج على أنها استثمار اقتصادي، فهي ليست سوى استنزاف جديد لثروات المملكة تحت مظلة العلاقات “الاستراتيجية” التي لا تخدم سوى طرف واحد.
التبعية الأمريكية وغياب الاستقلالية
منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، باتت السعودية أكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة، ليس فقط اقتصاديًا ولكن أيضًا سياسيًا. الطلبات الأمريكية بخفض إنتاج النفط، والاستثمارات الهائلة في الاقتصاد الأمريكي، وتصريحات ترامب المهينة، كلها تُظهر أن المملكة فقدت استقلاليتها وأصبحت تدور في فلك السياسة الأمريكية.
محمد بن سلمان، الذي يُحاول تقديم نفسه كقائد قوي، لا يتردد في تلبية أي طلب أمريكي، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية. في حين يبرر أنصاره هذه التبعية بأنها “جزء من السياسة الواقعية”، فإن الحقيقة هي أن هذه السياسة تُدمر الاقتصاد السعودي وتضعف مكانتها الإقليمية والدولية.
سياسة عبثية ومستقبل غامض
في ظل قيادة محمد بن سلمان، يتجه الاقتصاد السعودي نحو مزيد من التراجع والضعف. تراجع توقعات النمو الاقتصادي، واستمرار الاعتماد على النفط، والتبعية المطلقة للسياسة الأمريكية، كلها عوامل تُظهر أن رؤية 2030 ليست سوى وهم لا يمت للواقع بصلة.
إذا استمرت هذه السياسات العبثية، فإن السعودية تخاطر بفقدان مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية، لتتحول إلى دولة تابعة تخدم مصالح الآخرين. محمد بن سلمان، الذي يُنفق مليارات الدولارات بلا حساب، لا يدرك أن بناء اقتصاد قوي ومستقل يتطلب قرارات استراتيجية مدروسة، وليس مجرد استعراضات مالية تُعزز صورة زائفة.
الزمن وحده سيكشف عن حجم الخسائر التي تسببت فيها هذه السياسات، لكن حتى ذلك الحين، سيبقى المواطن السعودي هو المتضرر الأكبر من رؤية فقدت طريقها.