في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، بحث وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مع نظيره الأميركي لويد أوستن العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، وأوجه التعاون الاستراتيجي في المجال الدفاعي، وسبل تطويره بما يخدم المصالح المشتركة. كما ناقش الجانبان الجهود المبذولة لإرساء دعائم الأمن والسلم الدوليين.
هذه المحادثات تأتي في وقت تواجه فيه المنطقة توترات جيوسياسية متزايدة، بدءًا من الحرب في غزة والتصعيد مع إيران، وصولًا إلى التحولات الجيوسياسية في الخليج وتأثير التنافس الأميركي-الصيني على مستقبل المنطقة. لكن السؤال الأساسي هنا: هل التعاون الدفاعي بين السعودية وأميركا مبني على شراكة حقيقية متكافئة، أم أنه مجرد استمرار لهيمنة واشنطن على الأمن الإقليمي واستغلال السعودية كحليف تابع؟
السعودية.. شريك أم تابع في الاستراتيجية الأميركية؟
لطالما اعتُبرت السعودية ركيزة أساسية في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية في الخليج، حيث تستضيف القواعد العسكرية الأميركية، وتعتمد بشكل شبه كامل على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الأميركية. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة غير متكافئة، حيث تتحكم الولايات المتحدة بقرارات التسليح السعودي وتستخدمها كورقة ضغط سياسي كلما اقتضت الحاجة.
في عام 2022، شهدت العلاقات بين واشنطن والرياض توترًا كبيرًا بعد قرار السعودية، من خلال تحالف أوبك+، خفض إنتاج النفط، وهو ما اعتبرته إدارة جو بايدن خطوة معادية للمصالح الأميركية. وعقب ذلك، تزايدت الانتقادات الأميركية للملف الحقوقي السعودي، مما أثار مخاوف في الرياض من أن التحالف الدفاعي بين البلدين قد لا يكون مضمونًا على المدى الطويل.
يقول المحلل السياسي ديفيد هيرست:
“السعودية تضخ مليارات الدولارات في مشتريات الأسلحة الأميركية، لكنها تظل غير قادرة على اتخاذ قرارات دفاعية مستقلة دون موافقة واشنطن. هذا يضعها في موقع الحليف التابع، وليس الشريك الفعلي في القرارات الاستراتيجية.”
صفقات الأسلحة: حماية للأمن السعودي أم ربح لصناعة السلاح الأميركي؟
يعد الجانب الدفاعي أحد أكبر محاور التعاون بين السعودية وأميركا، حيث تعتبر المملكة أكبر مستورد للأسلحة الأميركية في العالم. لكن هل تعزز هذه الصفقات أمن السعودية الفعلي، أم أنها مجرد وسيلة لتمويل المجمع الصناعي العسكري الأميركي؟
في العقد الأخير، وقعت السعودية عقود تسليح بمئات المليارات من الدولارات، شملت طائرات إف-15 وإف-35، وأنظمة باتريوت الدفاعية، ومدرعات متطورة، وأسلحة هجومية متنوعة. ومع ذلك، فإن نتائج هذه الاستثمارات العسكرية الضخمة لا تزال محل جدل واسع، حيث تعتمد المملكة على الوجود العسكري الأميركي لحمايتها، بدلًا من بناء قوة دفاعية مستقلة.
الملف الإيراني.. هل السعودية في مأزق أمني؟
من بين أهم القضايا التي نوقشت بين وزير الدفاع السعودي ونظيره الأميركي، كانت التهديدات الأمنية الإيرانية، خاصة في ظل التصعيد العسكري في البحر الأحمر، والضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، والتوتر المستمر في العراق واليمن.
لطالما استخدمت واشنطن الملف الإيراني لتبرير استمرار وجودها العسكري في الخليج، كما أنها تضغط على السعودية لإبقاء التعاون الدفاعي قائمًا، رغم جهود الرياض الأخيرة لتخفيف حدة التوتر مع طهران عبر الوساطة الصينية. لكن في الوقت نفسه، لا تزال الولايات المتحدة غير مستعدة لمنح السعودية ضمانات أمنية واضحة في حال نشوب صراع إقليمي.
أميركا والسعودية.. صداقة مشروطة بحقوق الإنسان؟
منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، أصبحت حقوق الإنسان ورقة تفاوضية في العلاقة مع السعودية. فعلى الرغم من أن واشنطن لم تقطع علاقاتها الدفاعية مع الرياض، إلا أنها استخدمت الانتقادات الموجهة لمحمد بن سلمان بشأن اغتيال جمال خاشقجي، واعتقال الناشطين، وقمع المعارضة كورقة للضغط السياسي.
هذا الموقف الأميركي المتذبذب يعكس ازدواجية المعايير، حيث تواصل واشنطن بيع الأسلحة للمملكة، لكنها في الوقت نفسه تلوح دائمًا بملف حقوق الإنسان كلما احتاجت إلى تقليم أظافر بن سلمان سياسيًا.
تحالف هش ومصالح متضاربة
رغم التصريحات الدبلوماسية التي تؤكد على متانة التعاون الدفاعي بين السعودية وأميركا، إلا أن الواقع يظهر علاقة غير متكافئة، حيث تبقى الرياض رهينة السياسات الأميركية، والقرارات العسكرية التي تخدم المصالح الأميركية أولًا وأخيرًا.
في المقابل، تحاول السعودية إيجاد بدائل عبر تنويع شراكاتها، لكنها لا تزال غير قادرة على بناء منظومة دفاعية مستقلة، مما يجعلها عرضة للتلاعب السياسي من قبل واشنطن.
وبينما يروج النظام السعودي لهذه الاجتماعات كدليل على قوة العلاقة مع أميركا، يظل السؤال المطروح: هل ستظل السعودية مجرد زبون للأسلحة الأميركية، أم أنها ستتمكن يومًا ما من تحقيق استقلالها العسكري الحقيقي؟