في تصريح يبدو بعيدًا عن الواقع الاقتصادي، زعم وزير البلديات والإسكان السعودي أن سوق التمويل العقاري في المملكة يُعد أحد أكبر أسواق الصكوك عالميًا، وأن رؤية السعودية 2030 أوجدت الثقة في الاقتصاد الوطني. لكن على الأرض، يعاني القطاع العقاري من أزمة خانقة تضرب المواطنين والمستثمرين على حد سواء، حيث ارتفعت أسعار العقارات بشكل جنوني، وانخفضت القدرة الشرائية، وازدادت تكلفة التمويل، مما أدى إلى ركود حاد في السوق وضعف شديد في الطلب.
هذه التصريحات الحكومية لا تعدو كونها دعاية إعلامية تهدف إلى ترويج إنجازات غير موجودة على أرض الواقع، فالسوق العقاري في السعودية اليوم هو بيئة مضطربة تتسم بارتفاع الأسعار دون مبرر اقتصادي، وغياب الرقابة الحقيقية، واحتكار الأراضي من قبل قلة من كبار المستثمرين الذين يرفعون الأسعار بلا أي تدخل حكومي جاد.
أزمة العقارات في السعودية.. أرقام لا تعكس الثقة
رغم ترويج الحكومة لرؤية 2030 باعتبارها محفزًا اقتصاديًا يعزز الاستقرار، فإن واقع سوق العقارات في السعودية يروي قصة مختلفة. فأسعار العقارات شهدت ارتفاعًا قياسيًا في السنوات الأخيرة، ما جعل امتلاك منزل حلماً بعيد المنال للكثير من المواطنين، خاصة مع التضخم، وارتفاع تكاليف التمويل، وزيادة الضرائب.
وفقًا لتقارير حديثة، ارتفعت أسعار العقارات السكنية في المملكة بنسبة 30% إلى 50% في بعض المناطق، بينما قفزت أسعار الإيجارات بنحو 20% خلال العامين الماضيين، مما زاد من الضغوط المالية على المواطنين، خاصة الطبقة المتوسطة والمنخفضة الدخل.
المحلل الاقتصادي ديفيد غرين من مؤسسة بلومبيرغ يرى أن الوضع العقاري في السعودية بعيد تمامًا عن الاستقرار، حيث يقول:
“سوق العقارات في السعودية يواجه **اختلالًا حادًا بين العرض والطلب، وارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات جعل من الصعب على المواطن العادي امتلاك منزل. هذه ليست علامات على اقتصاد مزدهر، بل مؤشرات على فشل السياسات الإسكانية.”
أسعار الفائدة والتمويل العقاري.. قروض لا يمكن تحملها
أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم أزمة العقارات هو الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي السكنية، حيث تتحكم شركات التطوير الكبرى والمضاربون العقاريون في السوق، مما يمنع المواطنين من شراء منازل بأسعار معقولة.
ورغم وعود الحكومة بمكافحة الاحتكار العقاري وفرض رسوم على الأراضي البيضاء، إلا أن النتائج على أرض الواقع لم تكن مؤثرة بما يكفي لكبح جماح الأسعار.
مع ارتفاع أسعار الفائدة، أصبحت تكلفة التمويل العقاري في السعودية مرتفعة بشكل غير مسبوق. فالبنوك السعودية رفعت معدلات الفائدة على القروض العقارية، مما جعل من شراء المنازل بالقروض أمرًا صعبًا للغاية.
في السابق، كانت القروض العقارية هي الأداة الأساسية لمساعدة المواطنين على شراء المنازل، لكن مع ارتفاع الفوائد، أصبح العبء المالي على المقترضين أكبر، وأدى إلى انخفاض الطلب على العقارات، مما زاد من ركود السوق.
هل الحكومة قادرة على حل الأزمة أم أنها جزء من المشكلة؟
إذا كانت الحكومة جادة في حل أزمة العقارات، فعليها تنفيذ إصلاحات حقيقية، بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية الفارغة.
- إيقاف المضاربات العقارية عبر فرض ضرائب أكثر صرامة على الأراضي البيضاء غير المطورة.
- خفض تكاليف التمويل العقاري وإيجاد حلول لخفض أسعار الفائدة على القروض.
- إجبار شركات التطوير العقاري على تقديم مشاريع سكنية بأسعار معقولة، بدلًا من التركيز على المشاريع الفاخرة فقط.
- تحفيز الاستثمار في العقارات داخل المملكة بدلاً من السماح بهروب رؤوس الأموال إلى الخارج.
تصريحات غير واقعية وأزمة تتفاقم
تصريحات وزير الإسكان عن أن رؤية 2030 عززت الثقة في الاقتصاد الوطني لا تعكس الحقيقة على أرض الواقع. فالمواطن لا يزال يعاني من ارتفاع الأسعار، وغياب القدرة على تملك منزل، وزيادة الضرائب والرسوم، بينما الشركات السعودية الكبرى تهرب بأموالها إلى الخارج بحثًا عن بيئة
استثمارية أكثر استقرارًا.
ويبقى السؤال الأهم: إلى متى ستستمر الحكومة في الترويج لدعاية اقتصادية غير واقعية، بينما يزداد الضغط الاقتصادي على المواطنين والمستثمرين؟