في تقرير أثار جدلًا واسعًا، زُعم أن الحكومة السعودية تحظى بأعلى نسبة ثقة عالميًا، وأن المملكة تصدرت دول العالم من حيث التفاؤل بالمستقبل بنسبة 69%. هذه الأرقام، التي تبدو غير واقعية مقارنة بالوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور داخل المملكة، تطرح تساؤلات جادة حول مدى مصداقيتها، ومن يقف وراء الترويج لها، وما إذا كانت مجرد جزء من حملة العلاقات العامة السعودية التي تهدف إلى تلميع صورة النظام أمام الداخل والخارج.
في ظل ارتفاع الضرائب، وتزايد القمع السياسي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وهروب الاستثمارات، يجد المواطن السعودي نفسه في وضع معيشي أكثر تعقيدًا، مما يجعل مثل هذه التقارير تبدو منفصلة تمامًا عن الواقع. فكيف يمكن لحكومة تواجه غضبًا داخليًا متصاعدًا أن تكون الأكثر ثقة عالميًا؟ وكيف يمكن لدولة يعاني مواطنوها من ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة أن تكون الأكثر تفاؤلًا بالمستقبل؟
السعودية تشتري الإعلام وتروج لروايات زائفة
لم تكن هذه المرة الأولى التي تحاول فيها السعودية شراء الصحافة العالمية وإعداد تقارير إيجابية عن وضعها السياسي والاقتصادي، في محاولة لتجميل صورتها أمام العالم. فقد استثمرت المملكة مليارات الدولارات في التعاقد مع شركات العلاقات العامة والمؤسسات الإعلامية الغربية لضمان إنتاج تقارير تروج لـ “نجاحات وهمية”.
منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في 2018، تعرضت السعودية لانتقادات دولية غير مسبوقة، مما دفعها إلى تعزيز حملات العلاقات العامة في الإعلام الغربي، بهدف إعادة رسم صورتها.
مولت السعودية مراكز أبحاث وصحفًا عالمية لنشر تقارير منحازة تدعي “التقدم الاقتصادي”، رغم الأزمات المتصاعدة داخل المملكة.
العديد من هذه التقارير يتم إنتاجها من قبل شركات متخصصة في تحسين صورة الأنظمة القمعية، حيث يتم الدفع بمبالغ ضخمة لضمان نشر “إحصائيات إيجابية زائفة”.
يقول الناشط الحقوقي أندرو كريستوف:
“النظام السعودي لا يحظى بثقة شعبه، بل يحكم بالخوف. عندما يكون القمع هو الوسيلة الأساسية للحفاظ على السلطة، فإن أي تقرير يتحدث عن ارتفاع الثقة هو مجرد محاولة لتبييض سجل النظام القمعي.”
هل تعكس التقارير الدولية الواقع في السعودية؟
في الوقت الذي تزعم فيه هذه التقارير أن المملكة هي الأعلى عالميًا من حيث الثقة بالحكومة والتفاؤل بالمستقبل، يواجه المواطن السعودي واقعًا اقتصاديًا صعبًا، وسياسات قمعية متزايدة، وأزمة في فرص العمل والسكن.
- الاقتصاد السعودي في أزمة رغم الدعاية الإعلامية
يعاني المواطن السعودي من واقع اقتصادي مرير، حيث أدى رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، إلى تآكل القوة الشرائية، وزيادة الأعباء المعيشية.
أسعار السلع الأساسية شهدت ارتفاعًا حادًا، ما جعل الحياة أكثر صعوبة على المواطن العادي.
مشاريع مثل نيوم وذا لاين تستهلك المليارات دون تحقيق عوائد اقتصادية واضحة، مما أدى إلى تفاقم الديون الحكومية.
تم بيع أصول وطنية مثل أسهم أرامكو، مما يعكس أزمة سيولة حقيقية داخل المملكة.
البطالة لا تزال مرتفعة، خاصة بين الشباب، وسط ضعف فرص العمل وتوجه الحكومة لتوظيف العمالة الأجنبية بدلاً من المواطنين.
- القمع السياسي يتصاعد.. فأين “الثقة” المزعومة؟
في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن ثقة غير مسبوقة بها، تتصاعد حملات القمع السياسي والاعتقالات التعسفية ضد أي معارض أو حتى أي صوت ناقد داخل المملكة.
يتم اعتقال الصحفيين والنشطاء والمعارضين بلا محاكمات عادلة.
أي انتقاد لسياسات محمد بن سلمان يتم التعامل معه بقبضة حديدية، حيث تم إصدار أحكام جائرة ضد معارضين لمجرد تغريداتهم على تويتر.
رغم الحديث عن “الإصلاحات”، فإن حقوق الإنسان لا تزال في أسوأ حالاتها، مع استمرار أحكام الإعدام، والتعذيب داخل السجون، وإخفاء المعارضين قسريًا.
السلطات السعودية تراقب وسائل التواصل الاجتماعي وتقمع حرية التعبير بشدة، مما أدى إلى زيادة الغضب الشعبي.
لماذا تحتاج السعودية إلى هذه التقارير؟
من الواضح أن السعودية تستثمر بكثافة في حملات الترويج الإعلامي، والهدف الأساسي من ذلك هو محاولة تحسين صورتها أمام العالم، خاصة في ظل الانتقادات المستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان وتدهور الوضع الاقتصادي.
تحتاج الحكومة السعودية إلى هذه التقارير لإقناع المستثمرين الأجانب بأن المملكة بيئة آمنة لرؤوس الأموال، رغم أن هروب الاستثمارات الأخيرة يدل على عكس ذلك.
تلعب هذه التقارير دورًا في تهدئة الرأي العام المحلي، وإقناع المواطنين بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، حتى لو كان الواقع يقول غير ذلك.
تساعد مثل هذه التقارير في التأثير على الحكومات الغربية التي لا تزال مترددة في التعامل مع النظام السعودي بسبب سجله الحقوقي السيئ.
ما يحدث ليس إلا محاولة لشراء التقارير الإعلامية، لكن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها لفترة طويلة. فمع استمرار السياسات الاقتصادية الفاشلة والقمع المستمر، سيكون من الصعب على الحكومة إقناع المواطنين بأن الوضع في تحسن، مهما كانت الأموال التي تُنفق على الدعاية.
ويبقى السؤال الأهم: إذا كانت الحكومة السعودية واثقة من شعبيتها، فلماذا تحتاج إلى هذه التقارير المدفوعة