صندوق الاستثمارات السعودي في ميامي.. غطاء فاخر لتمويل القمع والانتهاكات

صندوق الاستثمارات السعودي في ميامي.. غطاء فاخر لتمويل القمع والانتهاكات

وسط ضجيج الترويج الإعلامي والدعاية الاقتصادية، يعقد صندوق الاستثمارات العامة السعودي مؤتمرًا في ميامي، في محاولة لتقديم المملكة كوجهة استثمارية عالمية. لكن خلف هذه الواجهة الاقتصادية البراقة، تكمن حقائق صادمة عن سيطرة محمد بن سلمان الكاملة على الصندوق، وتحويله إلى أداة لتجميل صورته دوليًا، بينما تواصل السعودية انتهاكات حقوق الإنسان بلا رادع.

لا يعد هذا المؤتمر مجرد محاولة لجذب الاستثمارات، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى غسل سجل النظام السعودي القمعي، واستغلال المال والنفوذ لإسكات الانتقادات الدولية. فكيف يمكن لصندوق تموّل أمواله مشاريع استبدادية أن يكون واجهة استثمارية نظيفة؟ ولماذا يجب على المستثمرين التفكير مرتين قبل الانخراط في هذه الدعاية؟

محمد بن سلمان.. سيطرة كاملة على الصندوق لخدمة أجندته

منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، أصبح صندوق الاستثمارات العامة أداة شخصية في يده، يستخدمها لتمويل مشاريعه الفخمة التي لا تخدم سوى صورته الدولية. بدلًا من أن يكون الصندوق وسيلة لتنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، يتم توجيه أمواله نحو مشاريع مثل “نيوم”، و”ذا لاين”، التي تهدف إلى تقديم المملكة كدولة حديثة، بينما يتم تنفيذها على حساب المواطنين وحقوقهم.

يتم اتخاذ القرارات داخل الصندوق بعيدًا عن أي شفافية أو رقابة برلمانية، حيث يتم توجيه المليارات وفقًا لرغبات محمد بن سلمان دون أي مساءلة أو توضيح حول عوائد هذه المشاريع أو جدواها الاقتصادية.

الترويج للتحديث والديمقراطية.. بينما الواقع قمع وانتهاكات

يقدم محمد بن سلمان المملكة للعالم على أنها دولة حديثة ومنفتحة، لكن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تمامًا. في الوقت الذي يتم فيه الترويج لحقوق المرأة والإصلاحات الاجتماعية، لا تزال الناشطات اللاتي ناضلن من أجل هذه الحقوق خلف القضبان، يتعرضن للتعذيب وسوء المعاملة.

على سبيل المثال، الناشطات اللواتي دافعن عن رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وهو أحد أبرز “إنجازات” ولي العهد المزعومة، تم اعتقالهن وتعذيبهن بعد أن حصلن على الحق الذي طالبن به. فكيف يمكن لنظام يتعامل بهذه الوحشية مع المدافعين عن الحقوق أن يكون واجهة استثمارية موثوقة؟

المليارات السعودية تشتري الصمت الأميركي على انتهاكات حقوق الإنسان

رغم توثيق العديد من الجرائم والانتهاكات في السعودية، تتجاهل الولايات المتحدة والغرب هذا الواقع بسبب المليارات التي يضخها صندوق الاستثمارات العامة في الأسواق الأميركية والأوروبية.

الاستثمارات السعودية في وول ستريت، وشراء حصص في شركات التقنية، وتمويل الأندية الرياضية، كلها وسائل ضغط تمنع الحكومات الغربية من مساءلة السعودية عن جرائمها.

حتى بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، لم تتخذ الإدارة الأميركية أي إجراءات حقيقية ضد النظام السعودي.

الطائرة التي استخدمها قتلة خاشقجي كانت مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، مما يثبت مدى تورط هذه المؤسسة في العمليات القذرة للنظام السعودي.

المحلل السياسي ديفيد غرين من مؤسسة بلومبيرغ يوضح ذلك بقوله:

“الولايات المتحدة تعلم تمامًا أن صندوق الاستثمارات العامة ليس مجرد مؤسسة مالية، بل هو أداة سياسية بيد النظام السعودي. لكن المال السعودي يشتري النفوذ، ويغلق الأفواه، ويجعل من الممكن أن تُدفن أي انتقادات تحت أموال النفط والاستثمارات.”

شركات العالم والمستثمرون.. مسؤولية أخلاقية قبل أي استثمار

على الشركات العالمية والمستثمرين أن يدركوا أن التعامل مع صندوق الاستثمارات السعودي ليس مجرد صفقة اقتصادية، بل هو قرار يحمل تبعات أخلاقية.

لا يمكن تجاهل أن الصندوق يموّل مشاريع قائمة على التهجير القسري، مثل نيوم، حيث تم طرد أفراد قبيلة الحويطات بالقوة، وقُتل أحد أفراد القبيلة لمعارضته المشروع، بينما حُكم على ثلاثة أشخاص بالإعدام، وسُجن اثنان آخران لمدة 50 عامًا.

لا يمكن تجاهل أن المشاريع الكبرى التي يروج لها الصندوق، مثل “ذا لاين”، تتم على حساب السكان الأصليين الذين يتم طردهم قسرًا، والعمال المهاجرين الذين يعانون من انتهاكات جسيمة.

لا يمكن تجاهل أن الأموال التي يتم ضخها في الخارج، هي نفسها التي يتم استخدامها في الداخل لتمويل القمع السياسي، وشراء برامج المراقبة الإلكترونية للتجسس على المعارضين، واعتقال أي شخص يعبر عن رأي مخالف.

انعدام الشفافية والمساءلة.. الصندوق أداة للقوة الناعمة لا أكثر

رغم الميزانية الضخمة التي يمتلكها صندوق الاستثمارات العامة، لا يوجد أي وضوح حول كيفية استخدام هذه الأموال، أو العوائد الفعلية التي تحققها المشاريع الممولة. يتم استخدام الصندوق كأداة للقوة الناعمة، عبر تمويل:

الاستحواذ على أندية رياضية أوروبية كجزء من تبييض السمعة.

شراء حصص في كبرى الشركات الغربية لخلق نفوذ سياسي واقتصادي.

عقد صفقات استثمارية ضخمة مع الولايات المتحدة وأوروبا لضمان عدم مواجهة السعودية لأي ضغوط حقوقية أو سياسية.

 الاستثمار في الصندوق السعودي يعني الاستثمار في القمع

في الوقت الذي يعقد فيه صندوق الاستثمارات العامة مؤتمره في ميامي، يجب على المستثمرين العالميين إعادة التفكير مليًا في التداعيات الأخلاقية لأي تعاون مع هذه المؤسسة.

الأموال التي يتم ضخها في الصندوق لا تذهب نحو تنمية حقيقية، بل تستخدم في مشاريع تستند إلى القمع والتهجير وانتهاك الحقوق.

المشاركة في مشاريع الصندوق تعني التغاضي عن الجرائم التي ارتكبها النظام السعودي، من اغتيال المعارضين إلى قمع الحريات السياسية واعتقال الناشطين.

لا يمكن فصل الحقوق عن الاستثمارات، ومن الضروري أن يضع المستثمرون معايير أخلاقية قبل أن يلطخوا سمعتهم بالمال السعودي المغموس في الدم والانتهاكات.

السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه أي مستثمر قبل الدخول في شراكة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو: هل يستحق المال أن تكون شريكًا في غسيل الانتهاكات والقمع؟

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً