في ضربة قوية لصورة الاقتصاد السعودي، أعلنت شركة مرافق عن تراجع أرباحها السنوية بنسبة 97%، لتصل إلى 17.15 مليون ريال فقط. هذا الانهيار المالي الحاد يثير تساؤلات جدية حول حقيقة الوضع الاقتصادي داخل المملكة، ومدى استدامة الشركات الكبرى التي يفترض أنها تستفيد من “رؤية 2030” والتحول الاقتصادي المزعوم.
لكن الحقيقة القاسية أن هذا الانخفاض الكارثي في أرباح “مرافق” ليس مجرد حادثة استثنائية، بل هو جزء من نمط متكرر يعكس الفشل العميق في إدارة الاقتصاد السعودي، واعتماد النظام على الدعاية الإعلامية بدلًا من إصلاح الواقع الاقتصادي المتدهور.
قائمة المحتوى
97% خسائر.. انهيار أم إفلاس وشيك؟
عندما تنهار أرباح شركة عملاقة مثل “مرافق” بهذا الشكل الدراماتيكي، فالأمر لا يتعلق فقط بأداء شركة واحدة، بل يعكس أزمة هيكلية في الاقتصاد السعودي ككل. التراجع بنسبة 97% ليس انخفاضًا طفيفًا يمكن تبريره بتقلبات السوق، بل هو مؤشر على انهيار شبه كامل في القدرة التشغيلية للشركة، وفشل استراتيجياتها المالية، وربما حتى سوء الإدارة والتخطيط.
إذا كانت “مرافق”، وهي من الشركات الأساسية في قطاع الخدمات والبنية التحتية، تعاني من هذه الخسائر الفادحة، فما هو وضع بقية الشركات؟ وما هو مستقبل المشاريع الكبرى التي يروج لها النظام السعودي على أنها قاطرة التنمية الاقتصادية؟
“رؤية 2030” في مأزق: اقتصاد متعثر واستثمارات بلا عائد
لطالما روجت السعودية لما يسمى بـ “رؤية 2030” باعتبارها خطة التحول الاقتصادي الكبرى التي ستنقل المملكة من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع ومستدام. لكن الواقع يكشف أن هذه الرؤية ليست سوى حبر على ورق، حيث لم تحقق السعودية أي تحول اقتصادي حقيقي، بل ازداد اعتمادها على الاقتراض، والاستثمارات غير المجدية، وإغراق السوق بمشاريع ضخمة دون عوائد واضحة.
تراجع أرباح “مرافق” بهذا الشكل يعكس حالة الركود الاقتصادي الذي تعيشه المملكة، حيث تتراجع الأرباح، وتتزايد الديون، بينما تستمر الحكومة في ضخ مليارات الدولارات في مشاريع وهمية مثل نيوم والهيدروجين الأخضر دون تحقيق أي عوائد فعلية.
قطاع الطاقة والبنية التحتية في خطر؟
شركة “مرافق” ليست مجرد شركة عادية، بل هي أحد الركائز الأساسية في قطاع الخدمات والبنية التحتية داخل السعودية. هذا القطاع يفترض أنه جزء رئيسي من استراتيجية التنمية المستدامة التي تدعي الحكومة أنها تعمل عليها، لكن انهيار أرباح “مرافق” بنسبة 97% يكشف زيف هذه الادعاءات، ويؤكد أن هذه القطاعات لا تزال تعاني من ضعف الاستثمار، وسوء الإدارة، وعدم القدرة على تحقيق الأرباح المستدامة.
في أي اقتصاد طبيعي، تعتبر شركات البنية التحتية والمرافق العامة من أكثر القطاعات استقرارًا وربحية، نظرًا لأن الطلب عليها ثابت ومتزايد. لكن في السعودية، حتى هذه القطاعات تعاني من خسائر ضخمة، مما يشير إلى خلل عميق في السياسات الاقتصادية والمالية للنظام السعودي.
أين ذهب المال؟ سوء الإدارة أم أزمة هيكلية؟
من الطبيعي أن يتساءل أي مستثمر أو محلل اقتصادي: كيف يمكن لشركة بحجم “مرافق” أن تخسر 97% من أرباحها في عام واحد فقط؟ هل هناك سوء إدارة فادح؟ أم أن الاقتصاد السعودي ككل يعاني من أزمة سيولة حادة وانخفاض في الطلب على الخدمات الأساسية؟
هناك احتمالان رئيسيان لهذه الكارثة المالية:
1. إدارة مالية فاشلة: إذا كانت “مرافق” تعاني من تخطيط مالي سيئ أو قرارات استثمارية غير مدروسة، فهذا يعني أن الشركات الأخرى قد تواجه نفس المصير قريبًا.
2. أزمة اقتصادية عامة: إذا كانت هذه الخسائر ناتجة عن تباطؤ اقتصادي حاد، فهذا يشير إلى أن السعودية تمر بأزمة مالية أخطر مما تعترف به الحكومة، وأن الشركات الكبرى بدأت تتأثر بشكل مباشر بهذا التدهور.
في كلتا الحالتين، المؤشرات قاتمة، والمستقبل يبدو أكثر اضطرابًا.
الاستثمارات الوهمية لا تنقذ الاقتصاد
بدلًا من معالجة الأزمات الاقتصادية الفعلية، يواصل النظام السعودي إغراق الأسواق بالدعاية والترويج لمشاريع ضخمة لا تحقق أي نتائج ملموسة. فمن نيوم إلى مشاريع الهيدروجين الأخضر، ومن محاولات السيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي إلى إنفاق المليارات على شراء الأندية الرياضية لجذب الانتباه العالمي، يبدو أن السعودية تراهن على وهم الاستثمارات الضخمة لتغطية فشلها الاقتصادي الحقيقي.
لكن عندما تنهار أرباح شركة أساسية مثل “مرافق”، يصبح واضحًا أن هذه المشاريع لن تنقذ الاقتصاد، ولن تغير الواقع، بل إنها تزيد من الأعباء المالية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في المملكة.
ماذا بعد؟ هل نشهد موجة انهيارات جديدة؟
إذا استمرت الشركات الكبرى في السعودية في تسجيل انخفاضات حادة في الأرباح، فقد نشهد موجة من الانهيارات الاقتصادية خلال السنوات القليلة القادمة. المؤشرات الحالية تظهر أن السعودية تعتمد بشكل متزايد على الديون والاستثمارات الخارجية المؤقتة، بدلًا من بناء اقتصاد مستدام قادر على تحقيق النمو الفعلي.
هذا يعني أن المملكة قد تكون مقبلة على أزمة اقتصادية كبرى خلال العقد المقبل، خاصة إذا استمر التراجع في أسعار النفط، واستمرت الحكومة في تجاهل الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها
أرباح “مرافق” لم تتراجع بنسبة 10% أو حتى 50%، بل 97%، وهذا ليس مجرد رقم، بل إعلان صريح عن فشل اقتصادي واضح. عندما تنهار أرباح شركات الخدمات الأساسية بهذه الطريقة، فهذا يعني أن الاقتصاد السعودي يواجه أزمة خطيرة لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها بالدعاية والإعلام الموجه. الحكومة السعودية قد تستمر في إنفاق المليارات على مشاريع دعائية، وقد تستمر الشركات في التلاعب بأرباحها لمحاولة إخفاء الأزمات، لكن الأرقام لا تكذب، والانهيار الاقتصادي قادم لا محالة إن لم يتم اتخاذ خطوات جذرية للإصلاح الحقيقي، بعيدًا عن الوعود الفارغة والمشاريع الوهمية.