في كل مرة يواجه النظام السعودى أزمة اقتصادية، يلجأ إلى التلاعب بالأرقام وإطلاق التصريحات المضللة في محاولة لصرف الأنظار عن الكارثة الحقيقية التي يعيشها المواطن السعودي. آخر هذه الادعاءات هو إعلان الحكومة أن الاقتصاد السعودي “نما” بنسبة 1.3% خلال عام 2024، في محاولة بائسة للترويج لصورة مشرقة عن اقتصاد ينهار تحت وطأة الديون، والبطالة، والتضخم المتفاقم، والانهيارات المتلاحقة لقطاعي العقارات والطاقة.
هذا الرقم، الذي من المفترض أن يكون مؤشراً على تعافي الاقتصاد، لا يعدو كونه طلاءً زائفًا يخفي التشققات العميقة في البنية الاقتصادية للمملكة. فكيف يمكن الحديث عن “نمو” بينما الضرائب تلتهم دخل المواطن، والقروض تتراكم، والقطاع الخاص يواجه أزمات خانقة، ورؤية 2030 تتحول إلى حفرة لا قاع لها من الإنفاق الاستعراضي؟
قائمة المحتوى
النفط لا يكفي لإنقاذ اقتصاد مشلول
لطالما روج النظام السعودي لمشروع “تنويع الاقتصاد” والتخلي عن الاعتماد الكلي على النفط، لكن الأرقام تكشف العكس تمامًا. أي نمو اقتصادي مسجل لا يزال مدفوعًا بشكل أساسي بعائدات النفط، بينما القطاعات الأخرى تعاني من ركود خطير.
أسعار النفط لم تعد مستقرة، مما أجبر الحكومة على اللجوء إلى الاقتراض وبيع حصص من شركاتها الكبرى، لتمويل الميزانية المتعثرة. والنتيجة؟ اقتصاد يعيش على أجهزة الإنعاش، ومع ذلك يتحدثون عن “نمو” وكأن المملكة أصبحت قوة صناعية أو زراعية تساهم في الاقتصاد العالمي بشيء غير النفط.
البطالة تتفاقم.. فأين ذهب النمو؟
إذا كان الاقتصاد “ينمو”، فلماذا لا يشعر المواطن السعودي بأي تحسن؟ لماذا لا تزال البطالة مرتفعة، ولماذا يتم تسريح آلاف الموظفين من الشركات الكبرى؟ لماذا لم تؤدِ مشاريع الرؤية إلى توفير فرص عمل حقيقية بدلاً من أن تستهلك المليارات دون أي عائد ملموس؟
الحقيقة أن الوظائف التي يتم خلقها ليست سوى وظائف مؤقتة أو منخفضة الأجر، بينما القطاعات الحيوية تستمر في الاعتماد على العمالة الأجنبية. المواطن العادي لا يجد فرصة عمل مناسبة، لكنه مطالب بتمويل “النجاحات الاقتصادية” المزعومة من خلال الضرائب الباهظة التي فرضها النظام لتغطية عجز الميزانية المتزايد.
رؤية 2030.. مشروع فاشل يلتهم الاقتصاد
نيوم، ذا لاين، القدية، المشاريع العملاقة التي تم الترويج لها كجزء من “مستقبل السعودية”، تحولت إلى ثقوب سوداء تبتلع مليارات الدولارات دون أي فائدة واضحة. هذه المشاريع لم تحقق أي تقدم اقتصادي حقيقي، ولم تنعكس على رفاهية المواطن، بل أصبحت عبئًا ماليًا يستنزف الموارد.
بدلاً من الاستثمار في قطاعات حيوية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، يواصل النظام السعودي ضخ الأموال في مشروعات استعراضية تستهدف جذب المستثمرين الأجانب، الذين لا يرون في المملكة سوى بيئة غير مستقرة سياسيًا واقتصاديًا. والنتيجة؟ رؤية تتحول إلى سراب، وبلد يغرق في الديون.
الضرائب تحاصر المواطن.. من يدفع ثمن “النمو”؟
بينما تتباهى الحكومة بتحقيق “نمو اقتصادي”، يدفع المواطن السعودي الثمن الأكبر. ضريبة القيمة المضافة ارتفعت إلى 15%، وأسعار الوقود في تصاعد مستمر، والرسوم الحكومية تتزايد، مما جعل تكاليف المعيشة في المملكة من بين الأعلى في المنطقة، رغم الثروة النفطية الهائلة.
إذا كان الاقتصاد في حالة تحسن كما تدّعي الحكومة، فلماذا لا يشعر المواطن بذلك؟ لماذا لم تنخفض الأسعار؟ لماذا لم تتحسن الرواتب؟ لماذا لم تنعكس هذه الأرقام الإيجابية على الحياة اليومية؟ الحقيقة أن كل ما يُروج له لا يتعدى كونه أرقامًا وهمية، بينما الوضع الفعلي أكثر قتامة مما تحاول الروايات الرسمية تصويره.
الديون تتراكم.. والاقتصاد على حافة الانهيار
في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن “إنجازات اقتصادية”، تتزايد القروض الحكومية بشكل خطير. النظام السعودى، كان يمتلك فوائض مالية ضخمة قبل سنوات قليلة، أصبح الآن يبيع أصوله، ويقترض من الأسواق العالمية، ويلجأ إلى رفع الضرائب لسد العجز المالي.
الاقتراض ليس حلاً اقتصاديًا، بل هو إشارة إلى أن الحكومة تعاني من أزمة سيولة خطيرة، وأن العوائد النفطية لم تعد كافية لتغطية الإنفاق الضخم على المشاريع الفاشلة والسياسات الاقتصادية غير المدروسة.
الرقابة غائبة.. والتضليل مستمر
المشكلة الكبرى ليست فقط في أن الاقتصاد يعاني، بل في أن هناك تعتيمًا إعلاميًا ممنهجًا لإخفاء حجم الكارثة. التقارير الاقتصادية المستقلة تكشف واقعًا مغايرًا تمامًا لما تروج له الحكومة، لكن النظام يسيطر بشكل كامل على الصحافة المحلية، مما يجعل الحقيقة غائبة عن المواطن، الذي لا يصله سوى الرواية الرسمية المضللة.
المؤسسات المالية العالمية بدأت تدرك أن الاقتصاد السعودي يسير في طريق مسدود، وأن السياسات الحالية لن تؤدي إلا إلى مزيد من التراجع. لكن بدلاً من تصحيح المسار، يواصل النظام إنكار الواقع، وإطلاق الأرقام المضللة، في محاولة لشراء الوقت قبل الانهيار الحقيقي.
السعودية أمام مفترق طرق.. إلى أين يتجه الاقتصاد؟
لا يمكن إنكار أن السعودية تمتلك موارد هائلة، وإمكانات اقتصادية ضخمة، لكن السياسات الفاشلة تهدر هذه الموارد بشكل كارثي. إذا استمر النظام في نفس النهج، فإن المستقبل سيكون أكثر قتامة، حيث سيتفاقم العجز المالي، وسترتفع البطالة، وسيتواصل هروب الاستثمارات، بينما المواطن العادي سيزداد فقرًا ومعاناة.
إما أن يتبنى النظام السعودى إصلاحات اقتصادية حقيقية تعالج جذور المشكلة، وليس فقط الترويج لأرقام زائفة، أو أن الاقتصاد سيتجه نحو أزمة غير مسبوقة، قد تؤدي إلى انهيار مالي يعيد المملكة إلى عقود من التراجع.
الواقع الذي يحاول النظام إخفاءه هو أن الاقتصاد السعودي لا ينمو، بل يتدهور، وأن السياسات الحالية ليست حلولًا، بل خطوات نحو الكارثة. فمتى ستعترف الحكومة بالفشل، وتبدأ في اتخاذ قرارات تعيد الاستقرار، قبل أن يصبح الوقت متأخرًا؟