“أكبر كارثة اقتصادية في التاريخ”.. مشروع نيوم يلتهم تريليونات السعودية دون جدوى

“أكبر كارثة اقتصادية في التاريخ”.. مشروع نيوم يلتهم تريليونات السعودية دون جدوى

في تطور صادم، كشفت تقارير نشرتها وول ستريت جورنال وذا إيكونوميك تايمز أن تكلفة مشروع نيوم تضخمت إلى 8.8 تريليون دولار، أي أكثر من 25 ضعف الميزانية السنوية للمملكة العربية السعودية. هذا الرقم المهول يعكس حقيقة لا يمكن تجاهلها: مشروع نيوم ليس مجرد طموح اقتصادي، بل كارثة مالية تهدد استقرار الاقتصاد السعودي وتكشف فشل رؤية 2030 في تحقيق أهدافها.

رغم كل الترويج الإعلامي والتطمينات الحكومية، الحقيقة الصادمة هي أن المشروع لا يزال متعثرًا، مع إنفاق أكثر من 50 مليار دولار حتى الآن دون تحقيق أي إنجازات ملموسة على أرض الواقع. والأسوأ أن المرحلة الأولى وحدها، المقرر إنجازها بحلول 2035، ستحتاج إلى 370 مليار دولار إضافية، وهو رقم يستنزف ميزانية المملكة بشكل خطير.

نيوم.. حلم مستحيل أم وهم باهظ الثمن؟

عندما أطلق محمد بن سلمان مشروع نيوم في 2017، تم تقديمه على أنه المستقبل الجديد للسعودية، مدينة ذكية تستخدم التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والروبوتات لإعادة تعريف الحياة الحضرية. لكن بعد أكثر من سبع سنوات، يبدو أن المشروع لا يزال مجرد رسوم بيانية في ملفات العروض التقديمية، بينما يزداد حجم الأموال التي يتم ضخها فيه دون أي عائد حقيقي.

 أحد أكبر التحديات التي تواجه نيوم هو أن المدينة التي يُروج لها ليست فقط مكلفة بشكل جنوني، بل أيضًا غير قابلة للتنفيذ من الناحية الهندسية. تصميم مدينة “ذا لاين”، التي تمتد بطول 170 كيلومترًا دون سيارات أو طرق تقليدية، قد يبدو مثيرًا في الخيال، لكنه يواجه مشكلات لوجستية وهندسية هائلة تجعل من الصعب إنجازه وفق المخطط الزمني المعلن.

على سبيل المثال، واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه المشروع هي الموقع الجغرافي القاسي، حيث تُشكل الصحراء والتضاريس الوعرة تحديات ضخمة أمام البناء، مما يرفع التكاليف إلى مستويات غير منطقية. كما أن فكرة الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة أثبتت أنها غير عملية، خاصة في منطقة تعاني من تحديات في البنية التحتية للطاقة.

حتى الآن، تم إنفاق أكثر من 50 مليار دولار على المشروع، ومع ذلك لم يتم تحقيق تقدم فعلي يتناسب مع هذا الإنفاق. هذا يطرح تساؤلات خطيرة عن كيفية إدارة أموال الدولة ومن المستفيد الحقيقي من هذه الصفقات الضخمة؟

أين ذهبت الأموال؟ فساد وتضخم في التكاليف

التقارير تؤكد أن الأموال التي أُنفقت حتى الآن لم تحقق أي تقدم يُذكر، بل ذهب جزء كبير منها إلى شركات استشارية أجنبية، وعقود مبالغ فيها، ومشاريع غير مكتملة. كما أن الإنفاق الهائل على التسويق والدعاية أعطى العالم صورة زائفة عن مشروع بالكاد يتحرك على أرض الواقع.

هناك أيضًا دلائل على وجود فساد مالي واسع النطاق داخل المشروع، حيث تم منح عقود بمبالغ خيالية لشركات مقربة من النظام، إضافة إلى الإنفاق غير المبرر على ترفيه المسؤولين التنفيذيين. والأخطر أن بعض الشركات الأجنبية التي حصلت على عقود رئيسية في نيوم بدأت بالانسحاب بهدوء، بعد أن أدركت استحالة تنفيذ الخطة كما تم الترويج لها.

غياب المستثمرين.. لا أحد يريد المخاطرة في مشروع فاشل

على الرغم من الجهود السعودية المستميتة لجذب المستثمرين، فإن معظم الشركات الكبرى ما زالت مترددة في وضع أموالها في نيوم. حتى الآن، لم ينجح النظام السعودي في تأمين أي استثمارات ضخمة من القطاع الخاص، مما يضع المشروع أمام أزمة تمويل خطيرة.

التقرير يؤكد أن المستثمرين العالميين يرون في نيوم مشروعًا عالي المخاطر، بسبب الافتقار إلى الشفافية، والتخبط في الخطط، وعدم وجود نموذج اقتصادي واضح يضمن تحقيق العوائد. وبالنظر إلى أن السعودية بدأت تلجأ إلى الاقتراض والضغط على صندوق الاستثمارات العامة لتغطية التكاليف، فإن الوضع المالي للمشروع قد ينهار في أي لحظة.

الفساد والإدارة الفاشلة وراء الانهيار

الأسباب الحقيقية وراء هذا الفشل ليست مجرد سوء تخطيط، بل فساد إداري وهيمنة القرارات الفردية. التقارير تكشف أن إدارة نيوم كانت تدار بفوضى كاملة، مع غياب المحاسبة والرقابة، مما أدى إلى إهدار مليارات الدولارات في عقود غير شفافة.

استقالة رئيس نيوم وتعيين طاقم جديد يكشف بوضوح مدى التخبط الإداري داخل المشروع، وأن التغييرات لم تكن إلا محاولة يائسة لإنقاذ صورة المشروع إعلاميًا، بعدما أصبح الجميع يدرك أن نيوم لم تكن سوى فخ اقتصادي ضخم وقع فيه بن سلمان بنفسه.

نيوم تتحول إلى أزمة سياسية داخلية

مع تزايد حجم الفشل، بدأت تداعيات نيوم تتجاوز الأبعاد الاقتصادية، وأصبحت تشكل تهديدًا سياسيًا حقيقيًا داخل النظام السعودي. فهناك تقارير عن استياء واسع داخل الدائرة الحاكمة بسبب الإصرار على ضخ أموال طائلة في مشروع خاسر، بينما تواجه المملكة ارتفاعًا في معدلات البطالة، وتدهورًا اقتصاديًا متسارعًا.

فشل نيوم يضع بن سلمان في موقف حرج للغاية، لأنه كان يروج لهذا المشروع باعتباره رمزًا لنجاحه الاقتصادي، لكن الواقع الآن يؤكد أنه أطلق أكبر عملية إهدار مالي في تاريخ المملكة، وقد يكون هذا الخطأ القاتل الذي يُطيح به سياسيًا.

نهاية وهم بدأ بكذبة

بعد كل هذه السنوات، أصبح واضحًا أن نيوم ليس سوى وهم إعلامي ضخم، وأن الأرقام التي تم الترويج لها لا تتعدى كونها دعاية لتضليل الرأي العام. من غير المعقول أن تتحمل دولة بحجم السعودية تكلفة تصل إلى 8.8 تريليون دولار لمشروع واحد، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة.

إذا كان هناك شيء واحد مؤكد، فهو أن نيوم لن تصبح المدينة التي وُعد بها العالم، بل ستظل رمزًا للغطرسة والإنفاق الجنوني على مشاريع خيالية لن تتحقق أبدًا.

في النهاية، قد لا يكون السؤال عن مستقبل نيوم، بل عن مستقبل الاقتصاد السعودي بأكمله، الذي أصبح رهينة لأحلام غير قابلة للتحقيق.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً