في خطوة تكشف عن التناقض الصارخ بين الواقع الاقتصادي السعودي والتقييمات المالية الدولية، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز رفع تصنيف السعودية إلى “A+” مع نظرة مستقبلية مستقرة. هذا الإعلان، الذي هللت له وسائل الإعلام السعودية، يأتي في وقت تشهد فيه المملكة تفاقمًا في الديون، انسحابًا متزايدًا للمستثمرين الأجانب، وتراجعًا في الثقة بأسواقها المالية.
فكيف يُمكن لدولة تعاني من عجز مالي متزايد، ومشاريع غير مربحة، ونفقات حكومية باهظة أن تحصل على تصنيف مرتفع؟ وهل يمكن لمجموعة من الأرقام المعدّة بعناية أن تُخفي الحقيقة عن اقتصاد يعاني من عدم الاستقرار؟
قائمة المحتوى
سياسات بن سلمان: طريق مباشر نحو الانهيار الاقتصادي
منذ أن تولى محمد بن سلمان منصب ولي العهد، تبنى سياسات اقتصادية قائمة على الإنفاق الهائل، والمشاريع الضخمة غير المربحة، والقمع السياسي الذي أفقد المستثمرين ثقتهم بالمملكة.
1. الديون تتراكم والنفقات بلا حساب
في الوقت الذي يُروج فيه النظام السعودي لرؤية 2030، تعتمد المملكة بشكل متزايد على القروض والسندات الدولية لتمويل مشروعاتها الضخمة. في عام 2014، لم يكن الدين العام السعودي يتجاوز 11 مليار دولار، لكنه قفز في 2025 إلى أكثر من 260 مليار دولار.
2. انسحاب المستثمرين: بيئة غير مستقرة
بسبب الاضطراب السياسي، وانعدام الشفافية، والتدخل الحكومي المفرط في السوق، انسحب العديد من المستثمرين الأجانب من السوق السعودي. لم تعد المملكة وجهة استثمارية جذابة، حتى للمستثمرين السعوديين أنفسهم، الذين فضلوا نقل أموالهم إلى دبي ولندن ونيويورك بسبب المخاوف من عدم الاستقرار.
“لا يمكن لأي سوق أن يزدهر بينما تُعتقل الأصوات الناقدة، وتُفرض الضرائب العشوائية، وتُدار الأعمال بقبضة سياسية لا تراعي الاقتصاد”، – باتريك هاريس، خبير استثماري في فايننشال تايمز.
3. ملف حقوق الإنسان: عقبة أمام الاستثمارات الدولية
لم يعد سرًا أن القمع السياسي المتزايد في المملكة أدى إلى هروب العديد من المستثمرين. قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي كانت نقطة تحول في نظر العالم، وأدت إلى فرض قيود غربية على التعاون الاقتصادي مع السعودية. كما أن القوانين القمعية ضد الناشطين والصحفيين والمعارضين جعلت المستثمرين مترددين في ضخ أموالهم في بلد يفتقر إلى سيادة القانون.
كيف يمكن للسعودية أن تحصل على تصنيف ائتماني مرتفع وسط هذه الأزمات؟
يُعرف أن وكالات مثل ستاندرد آند بورز، وموديز، وفيتش تخضع لضغوط سياسية واقتصادية، خاصة عندما يتعلق الأمر بدول ترتبط بعلاقات مالية قوية مع الغرب. السعودية، بصفتها مستثمرًا رئيسيًا في السندات الأمريكية، تمتلك نفوذًا غير مباشر في هذه المؤسسات، ما يجعل التصنيف “المستقر” أكثر ارتباطًا بالسياسة منه بالاقتصاد الحقيقي.
“هذه التصنيفات لا تعكس الواقع. السعودية لا تزال تعتمد على النفط، والديون تتراكم، والاستثمارات تهرب. التصنيف الائتماني هنا يبدو وكأنه صفقة سياسية أكثر منه تقييمًا ماليًا دقيقًا”، – إليزابيث ميلر، خبيرة اقتصادية في رويترز.
التناقض بين الأرقام والواقع الاقتصادي
رغم التصنيف الائتماني المرتفع، فإن الحقائق تكشف زيف هذا التقييم:
- نموذج اقتصادي غير مستدام: لا يزال الاقتصاد السعودي يعتمد على إيرادات النفط بنسبة تتجاوز 70%، رغم الوعود بتنويعه.
- عجز مالي مستمر: في عام 2025، بلغ العجز المالي 101 مليار ريال (26.88 مليار دولار)، رغم ارتفاع أسعار النفط خلال بعض الفترات.
- مشاريع عملاقة غير مجدية: “نيوم” و”ذا لاين” و”القدية” جميعها مشاريع لم تحقق أي عائدات بعد، ورغم ذلك يتم ضخ مليارات الدولارات فيها دون خطة واضحة للربح.
- هروب الاستثمارات الأجنبية: بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية بنسبة 30% خلال 2024 وفقًا لتقرير البنك الدولي.
تصنيف مزيف يخفي اقتصادًا متداعيًا
إذا كان التصنيف الائتماني “A+” يعني أن الاقتصاد قوي، فلماذا تستمر السعودية في الاقتراض؟ ولماذا تهرب الاستثمارات؟ ولماذا تتزايد الديون والنفقات الحكومية على مشاريع لا تحقق أي أرباح؟
الحقيقة أن التصنيف الائتماني ليس سوى خدعة سياسية تهدف إلى تلميع صورة الاقتصاد السعودي أمام الأسواق العالمية، بينما الواقع يشير إلى اقتصاد غير مستقر يعتمد على النفط والديون.
“عندما يتم خداع الأسواق بالتصنيفات الائتمانية، تكون النتيجة كارثية. السعودية قد تواجه أزمة مالية حادة في السنوات القادمة إذا استمرت في هذه السياسات”
في النهاية، لا يمكن خداع الحقائق بالأرقام، والاقتصاد القوي لا يُبنى على التصنيفات، بل على الإنتاج، والاستقرار، والثقة. ومع كل هذه الأزمات، فإن تصنيف السعودية الحقيقي ليس “A+”، بل هو أقرب إلى “W” .. أي “وهم اقتصادي”.