انخفاض أسعار النفط يحد من ازدهار قطاع الاستشارات في السعودية

انخفاض أسعار النفط يحد من ازدهار قطاع الاستشارات في السعودية

شهد قطاع الاستشارات في السعودية تباطؤًا ملحوظًا مع توجه الحكومة إلى ضبط الإنفاق وإعادة تقييم التكاليف الباهظة للمستشارين الخارجيين، الذين لعبوا دورًا محوريًا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة المرتبطة برؤية 2030، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.

بعد نمو ملحوظ بنسبة 38% في 2022 و25% في 2023، يتوقع أن يتراجع معدل نمو سوق الاستشارات إلى 14% في 2024 و13% في 2025، وفقًا لتقديرات سورس جلوبال. وأوضح داين ألبرتيللي، كبير محللي الأبحاث بالمجموعة، أن الحقبة التي كانت فيها “الميزانيات مفتوحة لمشاريع الاستشارات” قد انتهت، مشيرًا إلى أن الشركات كانت تتوقع استمرار هذا الازدهار لفترة أطول.

يأتي هذا التراجع في ظل تحديات مالية تواجه الرياض، من بينها تراجع أسعار النفط، وضخامة الالتزامات الاستثمارية، والحاجة إلى تحقيق عوائد بعد أعوام من الإنفاق الكثيف. ومن أبرز المؤشرات على هذا التوجه، فرض صندوق الاستثمارات العامة السعودي حظرًا لمدة عام على منح شركة PwC عقودًا استشارية جديدة.

ويرى محللون أن هذه الخطوة تعكس استياءً حكوميًا متزايدًا من المبالغ الضخمة التي تُنفق على المستشارين في إطار أجندة التحول التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان. وأكد مسؤول في إحدى شركات الاستشارات، تحدث لـ فايننشال تايمز بشرط عدم الكشف عن هويته، أن “الإرهاق من الاستشارات لم يتراجع، بل أصبح أكثر وضوحًا”، مشيرًا إلى أن قرار حظر PwC جاء في هذا السياق.

طفرة الاستشارات في السعودية والخليج

كان النمو القوي في السعودية والخليج بمثابة شريان حياة لشركات الاستشارات العالمية، التي تعاني ركودًا في الأسواق الغربية. فقد ارتفعت إيرادات PwC في الشرق الأوسط بنسبة 26% خلال العام المنتهي في يونيو 2024، مقارنة بـ3% فقط في المملكة المتحدة.

وتشير تقديرات سورس جلوبال إلى أن حجم سوق الاستشارات في الخليج بلغ 7 مليارات دولار في 2024، استحوذت السعودية على الحصة الأكبر منه بفضل مشاريعها العملاقة مثل نيوم والمدينة الخطية المستقبلية.

قاد صندوق الاستثمارات العامة طلبًا هائلًا على الخدمات الاستشارية، حيث استعانت الحكومة والمشروعات التابعة له بجيوش من المستشارين لوضع استراتيجيات جديدة لمناطق اقتصادية وصناعات ترفيهية، فيما يُعرف بممارسة “تأجير الأجساد”، التي شملت كبرى شركات الاستشارات مثل ماكينزي، بوسطن كونسلتينج جروب، وباين.

لكن هذا الإنفاق المفرط أثار قلقًا متزايدًا، إذ نقل مصدر مطلع على مشروع نيوم أن الإنفاق على الاستشارات كان “مبالغًا فيه”، مشيرًا إلى أن بعض الشركات استفادت بشكل مفرط من مشاريع “الجيجا” السعودية.

الضغوط المالية وتأثيرها على الاستشارات

تزامن هذا التشديد المالي مع انخفاض قدرة الحكومة على الإنفاق بسبب تراجع أسعار النفط، حيث خفضت أرامكو توزيعات أرباحها لعام 2025 بنسبة 30% بعد انخفاض أرباحها السنوية بنسبة 12% إلى 106 مليارات دولار، ما سيؤثر مباشرة على دخل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يمتلك 16% من أسهم أرامكو.

إضافة إلى ذلك، تواجه السعودية صعوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتمويل مشاريعها الضخمة. فبينما تستهدف المملكة 100 مليار دولار سنويًا بحلول 2030، لم يتجاوز حجم الاستثمار الفعلي العام الماضي 22 مليار دولار، وفقًا لبيانات fDi Markets.

ومع تصاعد الضغوط المالية، باتت شركات الاستشارات تواجه منافسة شديدة على تقديم الأسعار المخفضة، مما دفع العديد منها إلى خفض رسومها بشكل كبير. وقال رئيس شركة استشارية إقليمية: “السباق الآن هو لمعرفة من سيقدم أكبر الخصومات”، مؤكدًا أن هامش ربح شركته انخفض إلى أقل من 60% مما كان عليه قبل عامين.

لكن بعض الشركات تجنبت خفض الأسعار بشكل حاد، إذ قال مسؤول في شركة استشارية صغيرة إن التخفيضات لم تتجاوز 5%، مشيرًا إلى أن “المعيار الوحيد الآن هو أن تكون التكلفة أقل من السابق، بغض النظر عن قيمتها الحقيقية”.

المستقبل: تباطؤ لا يعني الانهيار

رغم هذه التحديات، لا تزال السعودية سوقًا واعدة للاستشارات، مع استمرار الحكومة في تنفيذ مشاريع كبرى، مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 وكأس العالم 2034. ومع ذلك، فإن طبيعة الأعمال تتغير، إذ أصبح التركيز على الاستشارات المتخصصة أكثر من الحاجة إلى مستشارين لتشغيل المشاريع.

ويرى مراقبون أن التباطؤ كان حتميًا بعد سنوات من الإنفاق الضخم. وقال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات الاستشارات الكبرى: “الجميع كان يتوقع هذه اللحظة، عندما يُطرح السؤال عما إذا كانت الخدمات المقدمة تستحق التكاليف الهائلة التي تُنفق عليها”.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً