مونديال الموت: كيف يحوّل نظام بن سلمان كأس العالم إلى مشروع قمع واستغلال دموي؟

مونديال الموت: كيف يحوّل نظام بن سلمان كأس العالم إلى مشروع قمع واستغلال دموي؟

بينما يحاول النظام السعودي الترويج لصورة مزيفة عن “الانفتاح” و”التقدّم” من خلال استضافة كأس العالم 2034، تتكشف فصول مأساوية خلف الملاعب اللامعة، حيث تُسفك دماء العمال المهاجرين في صمت، وتُهدر المليارات على مشاريع تلميع صورة محمد بن سلمان عالميًا، على حساب حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. فهل كأس العالم في السعودية سيكون مهرجانًا رياضيًا، أم منصة جديدة لانتهاك الحقوق، وتأكيد هيمنة رأس المال والقمع على حساب الإنسان؟

قتيل في استاد أرامكو: دم العامل أرخص من الاسمنت

في 12 مارس، لقي العامل الباكستاني محمد أرشد حتفه بعد سقوطه من طابق علوي أثناء عمله في بناء استاد أرامكو بمدينة الخبر.

لم تكن وفاة محمد أرشد سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تُمارس ضد العمال المهاجرين في المملكة، والتي ستزداد سوءًا مع استعدادات النظام السعودي لاستضافة كأس العالم 2034. حادثة سقوط أرشد من الطابق العلوي أثناء عمله في استاد أرامكو بمدينة الخبر ليست مجرد “حادث عرضي”، بل نتيجة حتمية لسياسات الإهمال، وانعدام الرقابة، وغياب الحماية القانونية للعمال الذين يُستعبدون خلف واجهة الحداثة المصطنعة التي يبنيها النظام.

سياسة التعتيم: حين يصبح الموت “سرًا وطنيًا”

وفقًا لما كشفته صحيفة الغارديان، فإن إدارة المشروع حاولت التستر على الحادثة، بعقد اجتماع طُلب فيه من العمال حذف أي تسجيلات وعدم التحدث عنها، بذريعة “احترام خصوصية الضحية”، وهو تبرير يكشف بوضوح آلية التعتيم التي تنتهجها الشركات التابعة للنظام عند وقوع كوارث كهذه. فبدلًا من المحاسبة والشفافية، تُمارس سياسة الصمت القسري، وكأن أرواح هؤلاء العمال لا قيمة لها سوى في تشغيل الرافعات وصبّ الخرسانة في ملاعب المونديال.

تحذيرات دولية.. ولكن الفيفا تصمّ آذانها

رغم وعود بن سلمان بأن تكون نسخة كأس العالم في السعودية “الأكثر تطورًا”، إلا أن التحذيرات الحقوقية تتزايد مع كل خطوة. منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية نبّهت مرارًا إلى أن استضافة أحداث رياضية ضخمة في ظل نظام قمعي كهذا، يُستخدم كأداة لتبييض الانتهاكات، لا للاحتفاء بالرياضة. فكيف يمكن تنظيم بطولة عالمية للعبة تُعلي من قيم العدل والمساواة، في بلد يُسجن فيه المواطن لمجرد تغريدة، ويُطرد العامل من عمله إذا طالب بأجره؟

الفيفا، من جانبها، تتغاضى عن كل هذه التحذيرات، وتواصل التعاون مع النظام السعودي، رغم التاريخ السيء لهذا النظام في ملف حقوق الإنسان. لا حرية صحافة، لا نقابات، لا قضاء مستقل، ولا حتى مساءلة للوزارات أو الأجهزة الأمنية. كيف يمكن ضمان شفافية في التحضير لكأس العالم في بلد يُلاحق فيه حتى الكاريكاتير الناقد؟

ما يحدث هو صفقة غير معلنة: النظام يوفّر المال والبنية التحتية، والفيفا توفر الشرعية والتغطية. أما الدماء التي تُسفك، والأصوات التي تُسكت، فهي تفصيل لا يُذكر في البيانات الصحفية الرسمية.

ديون بالمليارات.. من أجل بطولة لا يحتاجها المواطن

التكاليف الباهظة التي يتحمّلها النظام السعودي لاستضافة المونديال لا تقتصر على الجانب المالي، رغم أن هذا الجانب وحده يكشف حجم الاستنزاف غير المبرر للمال العام. وفق تقديرات أولية، سيكلف تنظيم البطولة عشرات المليارات من الدولارات، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ارتفاع الدين العام، وتفاقم العجز المالي، واضطرار صندوق الاستثمارات إلى بيع أصول وطلب ضمانات أجنبية لتمويل مشاريعه. كل هذا يُوظف فقط ليظهر محمد بن سلمان بمظهر “القائد العالمي” الذي يحظى باعتراف الفيفا، بينما الواقع أن المملكة تُباع للغرب عبر صفقات رياضية فاشلة هدفها الوحيد هو التغطية على الكارثة الداخلية.

العمال إلى الجحيم.. من أجل صورة لامعة على شاشة الفيفا

أما البعد الإنساني، فهو الكارثة الأكبر. آلاف العمال المهاجرين من دول مثل باكستان وبنغلاديش ونيبال يُجبرون على العمل في درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية، لساعات طويلة، دون ضمانات صحية كافية، أو ظروف سكنية آدمية. تقارير موثوقة أشارت سابقًا إلى تأخر الأجور، ومصادرة جوازات السفر، وحرمان العمال من أبسط حقوقهم. ومع تصاعد التحضيرات للمونديال، يُخشى أن تتحوّل هذه المشاريع إلى مقابر صامتة للعمال، تمامًا كما حدث في قطر، ولكن بصيغة أكثر قمعًا وسرية.

السؤال الأهم: هل هذه البطولة هي فعلاً مشروع رياضي؟ أم أنها مجرد وسيلة جديدة لتلميع صورة رجل يسعى إلى شرعية دولية بأي ثمن، ولو كان الثمن هو دماء العمال وكرامة المواطنين؟

رؤية 2030.. هل تحوّلت إلى كابوس رياضي؟

في خلفية هذا المشهد، نجد أن “رؤية 2030” التي يُفترض أن تُحدث نقلة نوعية في الاقتصاد والمجتمع، تحوّلت إلى رؤية تعتمد على الترفيه المفرط، والاستعراض الرياضي، دون معالجة حقيقية لملف البطالة، أو تحسين دخل المواطن، أو إصلاح نظام العدالة، أو إطلاق الحريات. بل إن الإنفاق الضخم على مشاريع المونديال يأتي في وقت تُفرض فيه ضرائب ورسوم تثقل كاهل المواطن، بينما تُوزّع الامتيازات على الشركات الأجنبية التي لا تخضع لأي محاسبة حقيقية.

كأس العالم في السعودية.. بطولة تُبنى بالدم

مهما حاول النظام السعودي تسويق المونديال كإنجاز وطني، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجميلها أن كأس العالم في السعودية يُبنى فوق أجساد العمال وحقوق الإنسان المنهوبة. الملاعب قد تكتمل، لكن الكلفة الإنسانية والسياسية ستظل وصمة عار في سجل محمد بن سلمان ونظامه، الذي يواصل شراء الصمت الدولي بالمال، ويحوّل الرياضة من رسالة إنسانية إلى أداة قمع واستعراض سلطوي.

ففي النهاية، لا يمكن إخفاء الموت خلف لافتة “الحداثة”، ولا يمكن دفن الحقائق في الرمال الساخنة للجزيرة. كأس العالم 2034 في السعودية ليس بطولة رياضية.. بل مأساة قيد التشكّل.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً