في الوقت الذي يعاني فيه المواطن السعودي من ارتفاع الأسعار، والبطالة، والضرائب المتصاعدة، يخرج تركي آل الشيخ، أحد أبرز أدوات الترفيه الدعائي لدى نظام بن سلمان، ليعلن عن إطلاق “دوري ملاكمة” عالمي، بصفقات تصل إلى 750 ألف دولار للملاكم الواحد في المباراة. وكأن السعودية قد حلت أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، ولم يتبقَ إلا دفع الملايين لمصارعين دوليين ليتبادلوا اللكمات فوق الحلبة، بينما الاقتصاد يتلقى الضربات القاضية واحدة تلو الأخرى.
هذا المشروع الجديد ليس أكثر من حلقة مكررة في سلسلة مشاريع ترفيهية عشوائية، تنفذ بأوامر فوقية دون حسابات واقعية، ولا أهداف اقتصادية واضحة، سوى تلميع صورة النظام، وشراء القبول العالمي على حساب المال العام وحقوق المواطن.
قائمة المحتوى
ملايين تُهدر… والمواطن يئنّ
750 ألف دولار في مباراة واحدة لملاكم؟! في بلد يرفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، ويقلص الدعم، ويفرض رسومًا على المياه والكهرباء، وينهب من دخل المواطن بأشكال مختلفة؟ أين الأولويات؟ هل أصبح الاستثمار في “الضرب على الوجوه” أهم من التعليم، والصحة، والبنية التحتية؟
من الواضح أن سياسة النظام السعودي، بقيادة محمد بن سلمان ومعاونيه من أمثال تركي آل الشيخ، قائمة على مبدأ “اصرف مليارات على أي شيء لامع، وسوّق الوهم”، بينما الواقع يقول إن المواطن هو الضحية الأولى لقرارات عشوائية، تنتمي لعقلية استعراضية لا لإدارة دولة.
الملاكمة ليست الرياضة.. إنها الدعاية الجديدة
الإعلان عن دوري ملاكمة بهذا الحجم يأتي ضمن مسلسل ترفيهي طويل، بدأ بفعاليات “موسم الرياض”، ومر بمباريات “كلاسيكو” أوروبا في جدة، وليس انتهاءً بشراء رضا الفيفا لاستضافة كأس العالم. كلها أدوات لصناعة مشهد مصطنع من “القوة” و”الحضور الدولي”، بينما الحقيقة أن هذه المشاريع لا تخلق اقتصادًا حقيقيًا، بل تحرق الاحتياطي النقدي في صفقات لا تعود بأي فائدة حقيقية على المواطن أو السوق المحلية.
هل من المنطقي أن تُمنح تلك المبالغ الخيالية للملاكمين الأجانب، في حين يتم تهميش الرياضيين السعوديين الحقيقيين، وغياب بنية تحتية رياضية محلية فاعلة؟ أم أن الهدف هو فقط دعوة مشاهير الرياضة العالمية والتقاط الصور بجانبهم، ثم دفع الفاتورة من خزينة الشعب؟
بن سلمان.. من الملاعب إلى الهاوية الاقتصادية
محمد بن سلمان لا يدير الدولة كدولة، بل كمشروع علاقات عامة مفتوح، يتوسل الاعتراف العالمي، ولو على حساب الكرامة الاقتصادية والسيادة الوطنية. قراراته الترفيهية لا تخضع لأي مساءلة، ولا تمر عبر مؤسسات اقتصادية مستقلة، بل تنبع من هوسه الشخصي بالظهور والسطوة.
“رؤية 2030″، التي بشّرت بتنويع الاقتصاد، أصبحت اليوم مجرد واجهة مزيّفة لمشاريع بلا جدوى: مدن ألعاب، مسابقات مصارعة، فعاليات موسمية، كلها ممولة من صندوق الاستثمارات العامة، الذي بات أشبه بمحفظة خاصة يستخدمها بن سلمان لترسيخ صورته لا لتحسين حياة المواطن.
فيفا، الملاكمة، الفورمولا 1.. كل شيء للبيع
استضافة السعودية لبطولات الملاكمة العالمية ليست حدثًا منعزلًا، بل جزء من خطة واضحة لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان عبر بوابة الرياضة. النظام يحاول بشتى الطرق إسكات الانتقادات الدولية المتعلقة بالقمع، واعتقال الصحفيين، وقمع النساء، عبر صفقات مع الفيفا، واستضافة سباقات الفورمولا، والترويج لمصارعة WWE، والآن… الملاكمة.
الرياضة تحولت من وسيلة لبناء المجتمع، إلى وسيلة لتبييض القمع السياسي. الملاكمون يضربون خصومهم داخل الحلبة، بينما النظام يضرب حقوق المواطنين خارجها.
الوضع الاقتصادي… الضحية الكبرى
في الخلفية، يتدهور الاقتصاد السعودي بوتيرة متسارعة:
- ارتفاع الدين العام إلى أكثر من 1.1 تريليون ريال
- ارتفاع عجز الميزانية في 2024 إلى 82 مليار ريال
- تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة رغم كل الصفقات الترويجية
- بطالة مرتفعة بين الشباب
- شركات محلية صغيرة ومتوسطة تغلق أبوابها أمام احتكار المشاريع الكبرى
بينما يُمنح الملاكم الأجنبي 750 ألف دولار، هناك أسر سعودية لا تستطيع دفع إيجار السكن، ولا تأمين الرعاية الصحية، ولا تعليم أبنائها في مدارس خاصة أو حتى حكومية مؤهلة.
فمن الذي يستفيد من هذا البذخ؟ بن سلمان؟ آل الشيخ؟ أم شركات العلاقات العامة الغربية؟
صناعة الوهم: ترفيه لتغطية الاستبداد
من الواضح أن النظام لا يملك خطة تنمية حقيقية، بل يعتمد على “الترفيه” كعقار مهدئ للمجتمع، وكسلاح للتغطية على جرائمه. فعوضًا عن بناء ديمقراطية، أو إطلاق سراح المعتقلين، أو فتح المجال العام، يقوم بتخدير الناس بعروض قتالية، وألعاب نارية، و”مواسم” فارغة من أي مضمون.
الرسالة واضحة: دعهم يلهون بينما نسحقهم اقتصاديًا وسياسيًا. وهذه لعبة لن تستمر طويلًا.
ملاكمة على الحلبة.. وصفعات على وجه الوطن
750 ألف دولار لملاكم في مباراة واحدة ليست مجرد رقم… إنها صفعة على وجه كل مواطن سعودي يُطالب بحقه في الصحة والتعليم والعدالة. إنها صفقة ترمز إلى دولة فقدت أولوياتها، وتحكمها نرجسية الحاكم، وجنون الاستعراض، وعقدة القبول الدولي بأي ثمن.
في السعودية بن سلمان، كل شيء قابل للبيع: الملاكمة، الإعلام، الفيفا… وحتى كرامة الشعب.
لكن الحقيقة تظل كما هي:
لا يمكن تزييف الواقع إلى الأبد… والملاكمة الحقيقية ليست داخل الحلبة، بل بين الشعب ونظام ينهار تحت وطأة قراراته المتهورة.