“السعودية تدّعي أن لا أحد فوق القانون… لكن من يفتح فمه يُسحق”

“السعودية تدّعي أن لا أحد فوق القانون… لكن من يفتح فمه يُسحق”

في ظهور إعلامي لافت خلال برنامج “الليوان” في شهر رمضان 2025، صرّح وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السعودي محمد آل الشيخ بتصريح أثار دهشة كثيرين، حيث قال:

“يمكن لأي شخص في المملكة، بما في ذلك المواطن العادي، أن يرفع دعوى قضائية على أي شخص آخر، حتى لو كان الملك نفسه، باستثناء من تشملهم الحصانات الدولية أو الاتفاقات الثنائية.”

ظاهريًا، يبدو التصريح وكأنه إعلان عن دولة قانون ومؤسسات. لكن على أرض الواقع، لا أحد في السعودية يصدق أن هذه الجملة قابلة للتطبيق. فكيف يمكن الادعاء أن كل شخص يمكنه رفع دعوى دون تمييز، بينما تعجّ سجون المملكة بمعتقلين رأي، فقط لأنهم كتبوا تغريدة أو عبّروا عن فكرة؟

ما قاله آل الشيخ: نص جميل وواقع مرير

في تصريحه، أشار الوزير إلى أن النظام القضائي في السعودية مفتوح للجميع، ويمكن لأي شخص أن يلجأ إلى “ديوان المظالم” ويقاضي حتى أعلى سلطة.

لكن ما لم يوضّحه الوزير هو التالي:

هل يستطيع شخص أن يشتكي من ولي العهد دون أن يتعرض للاعتقال؟

هل يمكن انتقاد سياسة اقتصادية دون أن تُوصم بتهمة “الإساءة للوطن”؟

هل المواطن العادي محمي من الأجهزة الأمنية إن رفع دعوى ضد مسؤول نافذ؟

الجواب عن كل هذه الأسئلة يعرفه كل سعودي: لا. مستحيل. أنت تُجازف بحريتك وربما بحياتك.

الحديث عن حرية التعبير… في بلد تُدفن فيه الكلمة

حرية التعبير في السعودية هي من أكثر المفاهيم تزييفًا في الخطاب الرسمي. فعليًا، لا يملك المواطن أي حماية قانونية عند التعبير عن رأيه، لا في الإعلام، ولا في تويتر، ولا حتى في جلسات خاصة إن كانت هناك “أذان أمنية” تستمع.

عشرات المعتقلين بلا تهم واضحة، أو بتهم فضفاضة مثل “التحريض”، و”زعزعة الأمن”، و”نشر الشائعات”، وهم في الحقيقة مجرد مغرّدين.

هل يمكن حقًا مقاضاة مسؤول أو حتى الملك؟

لو افترضنا جدلًا أن شخصًا قرر، بناءً على كلام الوزير آل الشيخ، أن يرفع قضية ضد مسؤول بارز، أو الملك، أو حتى جهة حكومية:

1. أولًا: سيتم رصده من قبل الأمن فور تقديم الشكوى.

2. ثانيًا: قد يتم استدعاؤه للتحقيق، وتوجيه تهديد مبطّن له بالتراجع.

3. ثالثًا: لو أصرّ، قد يُعتقل وتُلفّق له تهمة “تشويه سمعة الدولة” أو “الإساءة لرموزها”.

4. رابعًا: إن لم يُسجن، سيتعرض للتشهير، وربما فقد وظيفته، أو يتم منعه من السفر.

وهنا تصبح فكرة اللجوء إلى القضاء أشبه بعمل جنوني أو انتحاري، كما يصفه بعض النشطاء السعوديين في المنفى.

المشهد القضائي: هل هو مستقل؟

رغم الوعود بالإصلاح القضائي، ما زال النظام القضائي السعودي تابعًا بالكامل للسلطة التنفيذية. القضاة لا يتمتعون باستقلالية فعلية، والقرارات المصيرية تُتخذ من خارج قاعات المحاكم.

بل إن “ديوان المظالم”، وهو الجهة التي يُفترض أن تنظر في الدعاوى ضد الجهات الحكومية، لا يُصدر أحكامًا ضد وزارة الداخلية أو البلاط الملكي إلا في حالات نادرة جدًا – وغالبًا تُلغى الأحكام لاحقًا أو تُفرغ من محتواها.

الدستور غير المكتوب: من ينتقد يُسجن

في السعودية، لا يوجد دستور مكتوب واضح يُحدد الحقوق والحريات، بل هناك “أنظمة عامة” تُستخدم كأدوات قمعية. مثل نظام الجرائم المعلوماتية، الذي يُستخدم لسجن المعارضين والناشطين على مواقع التواصل.

أي شخص ينتقد الحكومة أو يتحدث عن الفساد أو يتعرض لممارسات أمنية، يُتهم بالإرهاب أو الإساءة للوطن. ليس هناك حماية قانونية حقيقية، بل شبكة من القوانين المُبهمة التي تُستخدم لإسكات الأصوات.

لا أحد فوق القانون… إلا القانون نفسه

ما قاله محمد آل الشيخ يُضاف إلى قائمة طويلة من التصريحات التي تحاول تقديم صورة وردية عن المملكة. لكن الواقع، كما يراه العالم ويعيشه المواطنون، مختلف تمامًا.

لا توجد حصانات؟ إذًا لماذا لا نرى قضايا ضد وزراء ومسؤولين؟ لماذا لا يعود الحق لأهله في قضايا الاعتقالات التعسفية؟ لماذا يُسجن أصحاب الشكاوى بدلًا من أن يُنصفوا؟

في السعودية، القانون يُستخدم كسلاح لحماية النظام، لا كوسيلة لإنصاف الشعب.

والحديث عن حرية التعبير والحق في التقاضي هو في أفضل الأحوال… مادة تلفزيونية لتجميل القمع.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً