السعودية تقصف وتتهرب من الفاتورة: 13 مليون دولار ثمن دماء اليمنيين بلا سداد

السعودية تقصف وتتهرب من الفاتورة: 13 مليون دولار ثمن دماء اليمنيين بلا سداد

في مشهد يعكس ازدواجية المعايير وتجاهل الالتزامات المالية والأخلاقية، تتكشف تفاصيل جديدة حول رفض السعودية دفع ديون مستحقة للولايات المتحدة، مقابل وقود الطائرات التي قصفت المستشفيات والمدارس وحفلات الزفاف في اليمن. بعد سنوات من التدمير والتجويع، لم تجد واشنطن أمامها سوى تقارير تحذر من “يأس البنتاغون” في تحصيل 13.7 مليون دولار من المملكة، في وقت تعيش فيه السعودية أوج إنفاقها على مهرجانات الترفيه وصفقات التسليح.

الإمارات دفعت. السعودية تدّعي الجهل. والشعب اليمني ما زال يدفع الثمن. ما يبدو “خطأ محاسبيًا” هو في جوهره تعبير عن عقلية سياسية ترى في حياة المدنيين وقودًا لحروب النفوذ، وفي الالتزامات المالية مجرد تفاصيل هامشية لا تستحق السداد.

صدمة مالية تتجاوز الحسابات

كشف تقرير صادر عن معهد كوينسي للحكم الرشيد أن المملكة العربية السعودية لا تزال مدينة للولايات المتحدة بمبلغ 13.7 مليون دولار مقابل وقود الطائرات الذي زُودت به القوات الجوية السعودية خلال حرب اليمن. ووفقًا لموقع “ذا إنترسبت”، فإن المبلغ لم يُدفع منذ أكثر من سبع سنوات، بالرغم من سداد الإمارات حصتها بالكامل، ما يسلط الضوء على التباين الفاضح في التعامل مع الالتزامات المالية.

اللافت في التقرير ليس فقط حجم الدين، بل رد الفعل السعودي، إذ تذرعت الرياض بجهلها بوجود هذا الدين، رغم المحاولات المتكررة من قبل مسؤولي البنتاغون لتحصيله. مسؤولون أمريكيون وصفوا الوضع بأنه “أصبح محرجًا” وأن وزارة الدفاع “يائسة بشكل متزايد” من تحصيل المبلغ المستحق.

الوقود الذي أراق الدماء

ليست المسألة مجرد فاتورة مالية، بل شحنة وقود استخدمتها السعودية في واحدة من أكثر حملاتها العسكرية دموية منذ عقود. الطائرات السعودية التي استفادت من خدمات التزود بالوقود جواً شنّت آلاف الغارات الجوية على اليمن، مستهدفة مدارس، مشافي، أسواقًا شعبية، وحتى حفلات زفاف.

الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وثّقت مرارًا ارتكاب التحالف الذي تقوده السعودية لانتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما في ذلك استهداف البنية التحتية الصحية والتعليمية، في ظل استخدام السلاح الأمريكي والدعم اللوجستي المباشر من واشنطن.

لماذا لم تدفع السعودية؟

تُظهر الوثائق التي نشرها موقع “ذا إنترسبت” أن البنتاغون اكتشف في عام 2018 خطأً محاسبيًا جعل الولايات المتحدة تتكبد تكاليف وقود كانت يجب أن تتحملها السعودية والإمارات. ورغم إرسال مطالبات سداد، لم تدفع الرياض، وواصلت المماطلة.

هذا لا يمكن وصفه إلا بتلاعب متعمد ومحاولة للتهرب من المحاسبة الأخلاقية والمالية، خاصة أن الرياض لم تُبدِ أي نية لدفع ما عليها حتى بعد مراجعات داخلية في وزارة الدفاع الأمريكية.

الإمارات دفعت… والسعودية تتهرب

في مشهد يُعيد رسم ملامح التحالف الخليجي، تُظهر التقارير أن الإمارات، التي شاركت أيضًا في الحرب، دفعت حصتها كاملة دون اعتراض، وهو ما يطرح تساؤلات عن حقيقة تملص السعودية.

هل لأن السعودية ترى نفسها في موقع سياسي يسمح لها بالإفلات من الفاتورة؟ أم أن سياسة “الأمر الواقع” باتت هي السلوك الطبيعي في إدارة ملفات الحرب والنفط والدبلوماسية؟

أبعاد أعمق من المال

ليست هذه القضية المالية منعزلة عن سياق أوسع من غياب الشفافية والمحاسبة في آلية اتخاذ القرار داخل المملكة. فحرب اليمن – التي دخلت عامها العاشر – لم تخضع لمراجعة داخلية، ولا لتقييم مستقل. لم يُحاسَب أي مسؤول عن جرائم الحرب، ولا عن تداعياتها الكارثية، ولا حتى عن خسائرها الاقتصادية التي تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

وها هي السعودية تتهرب الآن من سداد “ثمن” جزء صغير من هذه الحرب، ليس لأنه عبء حقيقي، بل لأنه “رمز” لكل ما تحاول طمسه في الذاكرة والوثائق.

حين يتحوّل الوقود إلى ملف دبلوماسي

في وقت تُحاول فيه السعودية تلميع صورتها على المسرح الدولي عبر مشاريع ترفيهية ضخمة، واستثمارات في الرياضة والفن، تظل هذه الديون وصمة تُذكّر العالم بأن المملكة لم تغلق بعد ملف جرائمها في اليمن. وربما هذا ما دفع معهد كوينسي إلى التحذير من أن المشكلة ليست فقط في “عدم الدفع”، بل في “الافتقار إلى الشفافية والمساءلة”، وهما أمران يتعارضان تمامًا مع معايير الحكم الرشيد.

تهرب مالي وتواطؤ إنساني يفضحان السلوك السعودي

رفض السعودية دفع ثمن وقود استُخدم لقصف شعب فقير لا يملك حتى دواء لأطفاله، ليس مجرد تقصير بيروقراطي، بل انعكاس خطير لنهج سياسي يتعامل مع الأرواح باعتبارها أرقامًا، والديون باعتبارها نوايا.

بينما يسعى النظام السعودي إلى بناء مستقبل من زجاج ورفاهية اصطناعية، يظل في طيّاته تاريخ من اللامبالاة، والمراوغة، والانتهاكات غير المسددة. 13 مليون دولار ليست سوى فصل صغير من قصة أكبر… قصة نظام يقاتل بلا رحمة، وينكر بلا خجل، ويتهرب بلا مساءلة.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً