كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن مؤشرات اقتصادية صادمة تشي بحالة من التخبط الاقتصادي في السعودية، مع تصاعد الضغوط المالية الناتجة عن عجز الميزانية وانخفاض أسعار النفط، ما اضطر السلطات إلى إعادة النظر في أولويات الإنفاق، وتقليص مشاريع ضخمة كانت تُعد رموزًا لرؤية 2030.
ووفقًا للتقرير، تعاني المملكة من أزمة اقتصادية مزدوجة، تتجلى في ارتفاع العجز المالي المتوقع إلى 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، مقارنة بـ 1.6% فقط في ميزانية 2024، في وقت بلغ فيه الانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 21% في الربع الثالث من عام 2024.
قائمة المحتوى
تقليص المشاريع الكبرى وتسريحات موظفين
تُشير الصحيفة إلى أن مشاريع كبرى مثل نيوم والبحر الأحمر باتت تواجه واقعًا مختلفًا، حيث تم إلغاء عقود كبرى تصل قيمتها إلى 5 مليارات دولار، إلى جانب خفض الإنفاق العام بنسبة 20% في موازنة 2025، فيما وصلت التخفيضات في بعض المشاريع إلى 60%.
كما كشفت الصحيفة عن حالة من التسريح الصامت للموظفين، إذ بدأت شركات تشرف على المشاريع العملاقة بإنهاء عقود دون تجديد أو تسريح بعض الطواقم، لا سيما في الوحدات التي تواجه أكبر قدر من التخفيضات.
أرامكو وصندوق الاستثمارات.. ضغوط من الداخل
في خطوة تُبرز حجم الضغوط المالية، أعلنت شركة أرامكو عن تقليص توزيعات الأرباح لتبلغ نحو 85.4 مليار دولار لعام 2025، يُخصص منها ما يقارب 82% للحكومة السعودية و16% لصندوق الاستثمارات العامة.
كما أشار التقرير إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي بدأ عملية إعادة ضبط داخلية، تقضي بتخفيض الإنفاق بنسبة لا تقل عن 20%، مع توجيه التركيز نحو البنية التحتية المرتبطة بالفعاليات العالمية المقبلة، مثل إكسبو 2030 وكأس العالم 2034.
تراجع ثقة القطاع الخاص.. ومشاريع غير مجدية اقتصاديًا
رغم الزخم الإعلامي حول المشروعات الضخمة، إلا أن بعض مستشاري الاستثمار أكدوا أن العديد من كيانات صندوق الاستثمارات العامة فشلت في جذب القطاع الخاص، بسبب غموض الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع.
ونقلت الصحيفة عن مستشار عقاري في الخليج، أن “هناك عشرات، وربما مئات، من المخططات الكبرى التي لا تحظى باهتمام القطاع الخاص لأنها ببساطة لا تُقنع أحدًا من منظور العائد الاقتصادي”.
هل تتجه السعودية إلى التقشف؟
بحسب محللين اقتصاديين تحدثوا للصحيفة، فإن المملكة تواجه مأزقًا اقتصاديًا حقيقيًا، يتطلب إما تقليص طموحات رؤية 2030 أو إعادة ترتيب الأولويات بطريقة أكثر واقعية. وتوقعت بات ثاكر، من وحدة الاستخبارات الاقتصادية، إعادة تقييم أو تأجيل عدد من المبادرات واسعة النطاق، بل وربما إلغاؤها في ظل القيود المالية المتزايدة.
تحوّل اقتصادي في مرحلة حرجة
رغم ما تبذله الرياض من جهود لتحسين صورة الاقتصاد السعودي عالميًا، وتحقيق موقع ريادي في الاستثمار والسياحة والتكنولوجيا، إلا أن الأرقام تكشف تصدعات داخلية مقلقة، ومراجعات قسرية للسياسات الاقتصادية قد تعيد البلاد إلى مربع التقشف المؤلم، وسط صراع بين الطموح والرغبة في التوسّع، وبين الواقع المالي الذي يفرض قيوده بلا هوادة.