من الزنزانة إلى المنفى: تأخير الإفراج عن البجادي وهروب القرني يكشفان انهيار الحريات في السعودية

من الزنزانة إلى المنفى: تأخير الإفراج عن البجادي وهروب القرني يكشفان انهيار الحريات في السعودية

 في مملكة تُغلق الزنازين وتفتح الأبواب للمهرجانات، يتكشف الوجه الحقيقي لنظام محمد بن سلمان؛ نظام لا يتسامح مع أي صوت مستقل، ولا يتردد في سجن المعارضين أو دفعهم إلى المنافي. تأخير الإفراج عن محمد البجادي، رغم انقضاء عامين على موعد إطلاق سراحه، وهروب الناشط صالح القرني إلى خارج البلاد، ليسا سوى عنوانين جديدين في مسلسل طويل من القمع الممنهج. في السعودية، الحبس ثمن التعبير، والمنفى ملاذ منطق لمن قرر أن لا يصمت.

البجادي: مسجون رغم انتهاء الحكم

محمد البجادي، أحد أبرز وجوه الدفاع عن حقوق الإنسان، وأحد مؤسسي جمعية “حسم”، لم يرتكب جريمة سوى المطالبة بمحاسبة السلطة واحترام الحقوق. رغم أنه أنهى حكمه القضائي منذ عامين، لا يزال محتجزًا دون تبرير قانوني. هذا الاحتجاز التعسفي يكشف عمق استخفاف النظام بالقوانين الدولية وحتى المحلية.

المفارقة أن السعودية، التي تدّعي تطبيق إصلاحات قانونية وقضائية ضمن “رؤية 2030″، تواصل احتجاز رجل لم يعد في السجن قانونًا. إنها عدالة بن سلمان: أحكام تُطيل حسب المزاج، وزنازين لا تُغلق إلا بقرار سياسي.

الهروب إلى المنفى: صالح القرني يكسر حاجز الخوف

في سياق مشابه، خرج الناشط صالح القرني من المملكة بعد عامين من المنع من السفر، ليُعلن من لندن انضمامه إلى المعارضة. في مقطع نشره مؤخرًا، فضح القرني القمع الذي يتعرض له النشطاء في الداخل، مؤكدًا أن السعودية لم تعد مكانًا آمنًا حتى لمن يكتب تغريدة أو يعبّر عن موقف سلمي.

القرني ليس الأول، ولن يكون الأخير. قبله العشرات غادروا البلاد لأنهم لم يعودوا قادرين على التنفس داخل وطنهم. منظمات حقوقية وثّقت موجة “نزوح حرّ” للنشطاء والمدونين من السعودية، نتيجة الخوف من الاعتقال أو الاختفاء القسري أو الملاحقة بتهم مفبركة.

قمع بلا هوادة: قوانين الإرهاب كأداة لإسكات المعارضين

تستخدم السعودية قوانين مكافحة الإرهاب كستار لمحاكمة أصحاب الرأي والنشطاء، وتوجيه تهم فضفاضة مثل “التحريض على الدولة” و”نشر الفوضى”. المحاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة: لا محامٍ، لا شفافية، وقرارات جاهزة.

المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أُنشئت لملاحقة الإرهابيين، أصبحت أداة للقمع السياسي. تُصدر أحكامًا بالسجن لعشرات السنين بسبب منشورات على تويتر، أو حتى تواصل مزعوم مع جهات معارضة في الخارج. البجادي مثال حي، لكنه ليس الوحيد. نساء، أكاديميون، طلاب، وشخصيات عامة، جميعهم تحت التهديد.

السجون لا تُفرغ… والحرية لا تُمنح

ما يحدث مع البجادي ليس استثناءً، بل قاعدة. السجناء السياسيون في السعودية يُفرج عنهم بعد سنوات من انتهاء أحكامهم، أو يُعتقلون من جديد بتهم ملفقة، كما حدث مع لجين الهذلول، عيسى النخيفي، وغيرهم. الحرية ليست حقًا، بل منحة قد تُسحب في أي وقت. هذا الواقع هو ما يدفع الناس إلى الهروب، لا حبًا في الغربة، بل رفضًا للذل.

المجتمع الدولي: بيانات باردة وأفعال غائبة

رغم التقارير الدورية التي تصدرها منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، ورغم الإدانات البرلمانية من بعض الدول الأوروبية، فإن الضغط الدولي لا يزال ضعيفًا وهشًا أمام صفقات النفط والسلاح والمصالح الاقتصادية.

المجتمع الدولي يتعامل مع النظام السعودي بازدواجية أخلاقية. بيانات القلق لا تُغني المعتقلين، وصور بن سلمان في قمم العشرين لا تعكس حقيقة سجونه. محمد البجادي خلف القضبان بينما تستضيف المملكة فعاليات عالمية وتستثمر في كرة القدم والفورمولا 1.

هروب العقول… ونزيف الكرامة

المفارقة الكبرى أن النظام، في سعيه لترويج “التحول الوطني”، يخسر أبرز الكفاءات والمثقفين بسبب سياساته الأمنية. من يبقى في الداخل يصمت، ومن يتكلم يُطارد، ومن يُفكّر في الهروب يفعلها سرًا. المملكة تحولت إلى دولة أمنية، لا مكان فيها للتنوع الفكري أو المعارضة السلمية.

القرني اختار طريق المنفى، والبجادي عالق في المعتقل. وغيرهم ينتظرون نفس المصير. هذه ليست دولة تبني مستقبلًا، بل سلطة تخاف من ظلها، وتُخضع الجميع لمنطق السجن أو السكوت.

“دولة تُدار بالخوف لا تُكتب فيها الحرية”

ما بين زنزانة البجادي ومنفى القرني، تُكتب رواية بائسة عن واقع الحريات في السعودية. ليس في الأمر مبالغة حين نقول إن النظام يحكم بالخوف ويخنق كل صوت مستقل. سنوات من الخطابات الرسمية لم تغير شيئًا، لأن من يتحكم في المصير لا يؤمن بالحق، بل بالسيطرة. وما لم يتحرك الداخل والخارج معًا لرفض هذا القمع، فسنشهد مزيدًا من الزنازين… ومزيدًا من المنافي.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً