رغم محاولات المملكة العربية السعودية تقديم نفسها كدولة إصلاحية منفتحة على العالم، إلا أن الواقع الداخلي يشير إلى تصاعد مقلق في وتيرة القمع السياسي وتضييق الخناق على حرية التعبير، في ظل قوانين صارمة ومحاكمات مسيّسة تخلط بين المعارضة السلمية والإرهاب.
قائمة المحتوى
قوانين مطاطة تُجرّم الرأي
منذ العام 2014، عقب موجة الثورات العربية، اعتمدت السلطات السعودية قانون جرائم الإرهاب وتمويله، الذي يتضمن تعريفات فضفاضة تتيح تجريم كل من “يُخلّ بالنظام العام” أو “يُسيء لسمعة الدولة” أو “يهدد الوحدة الوطنية”.
تُستخدم هذه البنود على نطاق واسع لقمع المعارضين، إذ تُعادل الدولة بين التعبير السلمي والتهديد الأمني، ما يجعل من أي انتقاد – مهما كان بسيطًا – فعلاً مجرمًا بنص القانون.
محكمة الإرهاب سلاح في وجه النشطاء
المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أُنشئت أصلاً للنظر في قضايا الإرهاب، أصبحت اليوم أداة رئيسية لمحاكمة النشطاء والحقوقيين والمغرّدين، بتهم تشمل “الخروج على ولي الأمر” و”نقض البيعة” و”تحريض الرأي العام”.
وتُشير تقارير حقوقية إلى أن هذه المحاكمات تفتقر للعدالة الأساسية، حيث يُحرم المتهمون من حق الدفاع، وتُقبل اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، ما يجعلها محاكم صورية لإسكات الأصوات المعارضة.
من الواقع إلى الفضاء الرقمي… القمع لا يرحم
لم يعد الفضاء الإلكتروني أكثر أمانًا. فالمعارضة الرقمية أصبحت هدفًا مباشرًا لأجهزة الأمن السعودية، التي تلاحق المستخدمين على خلفية تغريدات أو منشورات على وسائل التواصل.
في عام 2022، أصدرت المحاكم السعودية أحكامًا قاسية بالسجن تراوحت بين 10 و45 عامًا بحق أفراد لم يرتكبوا سوى “جريمة التعبير”، ما يعكس سياسة ممنهجة لردع أي صوت مستقل أو ناقد.
تصاعد الإعدامات… ورسالة ردع
الأخطر من ذلك، أن عقوبة الإعدام في السعودية بلغت مستوى غير مسبوق، حيث أُعدم 198 شخصًا خلال عام 2024 وحده، وهو الرقم الأعلى منذ ثلاثة عقود.
وتؤكد منظمات حقوقية أن عددًا من هؤلاء تم إعدامهم على خلفية تهم مرتبطة بمعارضة سياسية أو جرائم لم ترقَ إلى مستوى العقوبات القصوى، ما يُبرز الاستخدام الترهيبي لعقوبة الإعدام كأداة للردع السياسي.
صورة للخارج… وقمع في الداخل
في الوقت الذي تضخ فيه المملكة استثمارات هائلة في الترويج لصورتها كقوة إقليمية صاعدة تستضيف الأحداث الرياضية والاقتصادية الكبرى، فإن هذه الصورة تتناقض جذريًا مع الواقع الحقوقي، حيث تُسحق الحريات تحت وطأة القبضة الأمنية.
المعارضة في السعودية: ثمن باهظ للصوت الحر
تبقى المعارضة في السعودية محفوفة بالمخاطر. فالقوانين الغامضة، والمحاكمات غير العادلة، والأحكام المشددة، كلها أدوات تُستخدم لخنق أي محاولة للاعتراض، في مناخ يغيب عنه الحد الأدنى من الحريات السياسية.
ورغم الإدانات الدولية المتكررة، تستمر السلطات السعودية في تغليب منطق القمع على التغيير الحقيقي، وتُواصل معاقبة مواطنيها لمجرد تعبيرهم عن الرأي.