يواصل النظام السعودي الترويج لشركة “أكوا باور” كمؤشر على نجاحه في قيادة التحول نحو الطاقة المتجددة، وسط حملات إعلامية تزعم الريادة السعودية في مجال طاقة الرياح. لكن حين نغوص في التفاصيل، تظهر فجوة مقلقة بين الواقع والمعلن. المشاريع تُسوَّق بمليارات الدولارات، والجداول الزمنية تتأخر، والاستثمارات تفتقر إلى الشفافية. بينما تسعى المملكة إلى تلميع صورتها الدولية عبر هذه المشاريع، تتراكم الأسئلة: هل نعيش فعلاً ثورة في الطاقة المتجددة، أم نشهد استعراضًا دعائيًا يفتقر إلى الإنجاز الحقيقي؟ في ظل غياب المساءلة، تصبح “أكوا باور” مرآة لنهج أوسع يمارسه النظام السعودي: الإنفاق الهائل من دون نتائج ملموسة.
قائمة المحتوى
مصر: مليارات معلنة وتأجيل مريب
أعلنت “أكوا باور” في فبراير 2025 عن توقيع اتفاقية بقيمة 2.3 مليار دولار مع الحكومة المصرية لإنشاء أكبر مشروع لطاقة الرياح في البلاد. هذا المشروع، بحسب التصريحات الرسمية، سيُقام في الغردقة، وسيُسهم في خفض انبعاثات الكربون بمعدل 6.5 مليون طن سنويًا.
لكن رغم هذه العناوين اللامعة، فإن التفاصيل تحمل الكثير من الغموض. الإغلاق المالي للمشروع لم يتحقق بعد، ومن المتوقع ألا يبدأ التنفيذ الفعلي قبل عام 2026. هل نحتاج إذن إلى تسويق هذه الصفقات قبل أن تولد؟ أم أن الأمر لا يتعدى محاولة لصناعة الإنجاز إعلاميًا، بينما التنفيذ ينتظر واقعًا اقتصاديًا مختلفًا؟
مشاريع النظام السعودي الخارجية: نفوذ أم هروب من الداخل؟
في أبريل 2025، احتفلت الشركة ببدء التشغيل التجاري لمحطتي “باش” و”دازهانكيلدي” لطاقة الرياح في أوزبكستان. وعلى الورق، بدا أن المشروع يُمثل إنجازًا استراتيجيًا، لكن تقارير إعلامية تحدثت عن تشغيل جزئي وبنية تحتية غير مكتملة. محليًا، شكا العمال من ظروف عمل قاسية وتفاوت كبير في الأجور.
محللون دوليون أشاروا إلى أن الإعلان عن المشروع تزامن مع زيارة دبلوماسية سعودية، ما يُعزز فرضية استخدام هذه المشاريع كأداة للنفوذ السياسي الإقليمي، لا كجزء من رؤية اقتصادية مستدامة.
الصين: أرقام بلا توثيق واستثمارات غير مفهومة
في ديسمبر 2024، أعلنت الشركة نيتها استثمار ما بين 6 و10 مليارات دولار في الصين، بما في ذلك مركز بحثي بقيمة 54 مليون دولار في شنغهاي. لكن غابت عن الإعلان أسماء الشركاء المحليين، وافتقدت الاتفاقية لأي جداول زمنية ملزمة.
صحفيون صينيون وأوروبيون تساءلوا: ما فائدة هذه المشاريع بالنسبة للصين، الدولة التي تمتلك بالفعل واحدة من أقوى منظومات الطاقة المتجددة؟ أحد المحللين وصف توسعات “أكوا باور” هناك بأنها “دبلوماسية استثمارية تبحث عن واجهة أكثر من هدف اقتصادي”.
الاستدامة الحقيقية أم ترويج سياسي؟
الطاقة المتجددة ليست مجرد أرقام ضخمة وتوربينات شاهقة. بل هي التزام طويل الأمد بالبيئة، والعمالة، والمجتمعات المحلية. ما يُثير القلق في تجربة “أكوا باور” هو غياب الشفافية: لا تقارير مفصلة، لا رقابة مستقلة، ولا مساءلة واضحة من النظام السعودي.
ما يُعرض على الإعلام ليس أكثر من عناوين، بينما تظل التفاصيل الحاسمة – كالعوائد الفعلية والآثار الاجتماعية والبيئية – خارج الضوء.
“بين العناوين والواقع… الحقيقة لا تهب من الرياح”
مشاريع “أكوا باور”، كما يُروّج لها من قبل النظام السعودي، قد تبدو في ظاهرها فتحًا اقتصاديًا، لكنها عند التدقيق ليست سوى محاولة لتغطية الفشل المحلي بالدعاية الخارجية. فلا المشروع المصري تم تنفيذه، ولا التوسعات الآسيوية واضحة الأهداف أو الأثر.
ما يحتاجه الاقتصاد السعودي ليس المزيد من الواجهات الإعلامية، بل خطط واقعية قابلة للتنفيذ، تُبنى على الشفافية والرقابة والعدالة الاجتماعية. أما دون ذلك، فستظل طاقة الرياح تهب على مشاريع خاوية، بينما الحقيقة تظل معلقة في صمت التقارير غير المنشورة.