مليارات النظام السعودي لا تكفي: أرسنال يرفض بيع روحه للصفقات المشبوهة

مليارات النظام السعودي لا تكفي: أرسنال يرفض بيع روحه للصفقات المشبوهة

رغم ما يروّجه النظام السعودي من طموحات رياضية ومشاريع “ترفيهية” كبرى، إلا أن الواقع الاقتصادي المتهالك لا يمكن حجبه ببريق الملاعب أو عقود اللاعبين. فالإنفاق الملياري الذي يتبناه صندوق الاستثمارات العامة – تحت توجيهات ولي العهد – في شراء الأندية الأوروبية والنجوم العالميين، لم يُثمر إلا مزيدًا من الضغط على ميزانية الدولة، وتضخمًا في الإنفاق غير المنتج. في هذا السياق، جاء رفض نادي أرسنال لعروض مغرية مقدمة من أندية سعودية، ليكشف عن وعي متزايد لدى الأندية الأوروبية بأن الرياضة لا يمكن اختزالها في المال وحده، وأن الأموال السعودية – مهما كثرت – لا تشتري الاحترام أو الشرعية.

رفض أرسنال لا يحمل فقط دلالة كروية، بل رسالة سياسية ضمنية: لا أحد يريد أن يكون جزءًا من مشروع رياضي مشوّه يُستخدم كواجهة لتغطية انتهاكات حقوق الإنسان، وقمع الحريات، وتدهور اقتصادي صار حديث العالم. كرة القدم لا تُشترى، والرياضة ليست ورقة بيضاء تُمزّق عليها الحقائق الصعبة.

النظام السعودي ومشروع الرياضة كدعاية سياسية

النظام السعودي يتعامل مع الرياضة كأداة دعائية، وليست صناعة اقتصادية حقيقية. الأندية الكبرى تُغدق عليها الأموال من صندوق الاستثمارات العامة، فقط لتكون أداة في حملة تبييض ممنهجة للسمعة الدولية. وتأتي عروض الشراء أو الاستعارة المغرية التي تنهال على نجوم الدوري الإنجليزي – وعلى رأسهم لاعبو أرسنال – كجزء من خطة لربط اسم المملكة بنجاحات الآخرين، دون أي بناء حقيقي على الأرض.

وبحسب تقارير أوروبية، فإن عروضًا ضخمة من أندية سعودية وصلت إلى إدارة أرسنال هذا الموسم، على رأسها عرض لضم لياندرو تروسارد من نادي الاتحاد السعودي، بقيمة فاقت 25 مليون جنيه إسترليني. لكن النادي اللندني رفض، ليس فقط لأنه يتمسك بلاعبه، بل لأنه يدرك تبعات الانخراط في مشروع بلا هوية.

تكاليف باهظة.. واقتصاد مأزوم

في الوقت الذي ينهال فيه النظام السعودي بالمليارات على كرة القدم العالمية، يعاني الاقتصاد المحلي من تضخم في الدين العام، وتباطؤ في نمو الوظائف، وعجز متصاعد في الميزانية. الإنفاق الرياضي الذي تجاوز 6.3 مليار دولار خلال 2023 فقط، وفق تقارير دولية، لم يُقابله إنجاز اقتصادي حقيقي، بل إهدار غير مسبوق للمال العام.

وتتحدث مصادر داخلية عن قلق متزايد داخل مؤسسات اقتصادية سعودية من أن هذا النوع من الإنفاق، بقيادة صندوق الاستثمارات العامة، يسير في مسار غير مستدام، خاصة في ظل انخفاض عائدات النفط، وتعثر مشروعات مثل “نيوم” و”ذا لاين”.

أرسنال يرفض… ولديه أسبابه

ليست المرة الأولى التي يرفض فيها أرسنال عروضًا سعودية. المدافع غابرييل ماغالهايس تلقى اهتمامًا مكثفًا من أندية الخليج، بعضها عرض ما يقارب 100 مليون يورو، لكن الإدارة رفضت. النادي الإنجليزي يدرك أن المال لا يمكن أن يعوض الاستقرار الفني أو صورة النادي في عيون جماهيره.

صحيفة “ذا أثلتيك” علّقت بأن “أرسنال لا يريد أن يكون جزءًا من مشروع يفتقر إلى الشفافية، أو مرتبطًا بأنظمة تُستخدم الرياضة فيها كسلاح سياسي”. وهو موقف نادر لكنه شجاع، ويكشف عن شعور الأندية بأن هناك حدودًا للمال، وأن القيم الرياضية ما زالت تعني شيئًا لدى البعض.

مشروع رياضي أم غطاء لواقع سياسي؟

محللون يرون أن النظام السعودي لا يستخدم الرياضة لبناء مستقبل محلي، بل لتصدير صورة زائفة عن الانفتاح، وتغطية ملفه الحقوقي الثقيل، الذي يشمل قتل الصحفيين، وقمع النشطاء، واحتجاز النساء لمجرد تغريدات.

وتقول الناشطة الحقوقية فيونا هاريسون: “حين تشتري دولة لاعبين وأندية، وتمنع شعبها من التعبير، فإن هذا ليس استثمارًا، بل بروباغاندا”. وهذا ما بدأ العالم يراه بوضوح: أن المليارات التي تدفعها المملكة في الرياضة لا تغطي على القمع الداخلي، بل تفضحه أكثر.

حين لا تكفي المليارا‌ت لشراء الشرعية

إن ما فعله أرسنال برفض العروض السعودية لم يكن قرارًا فنيًا فحسب، بل كان موقفًا أخلاقيًا واقتصاديًا. فالنادي اللندني فهم أن التورط في مشاريع النظام السعودي لا يخلو من تبعات على المدى الطويل، سواء على مستوى السمعة أو على مستوى المبادئ.

المليارات لا تشتري القيم، ولا تُرمم صور الأنظمة التي تبني ملاعب وتغلق السجون في الوقت ذاته. وأي مشروع رياضي لا ينبع من المجتمع ولا يخدمه، سيبقى حبيس العناوين، وعاجزًا عن تحقيق شرعية حقيقية.

هل ترغب بالحصول على نسخة Word أو PDF للتقرير؟

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً