تسلا على رمال الصحراء: كيف تحاول إمبراطورية ماسك إنقاذ نفسها من بوابة النفط السعودي؟

تسلا على رمال الصحراء: كيف تحاول إمبراطورية ماسك إنقاذ نفسها من بوابة النفط السعودي؟

النظام السعودي يواصل استيراد الواجهات التكنولوجية الفاخرة بينما يغرق الداخل في أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة. دخول “تسلا” إلى السوق السعودية لا يعكس ازدهارًا اقتصاديًا أو تحوّلًا صناعيًا حقيقيًا، بل يمثل فصلًا جديدًا من فصول الاستغلال الأمريكي للثروات الخليجية. فمن شركة تمر بأزمة مبيعات ومقاطعات دولية إلى دولة تتلهف لتلميع صورتها أمام الغرب بأي ثمن، تصبح هذه الصفقة دليلًا صارخًا على تواطؤ المصالح بين رأسمالية جشعة وسلطة تبحث عن الشرعية بأي ثمن.

افتتاح لافت وأهداف غير بريئة

أعلنت شركة “تسلا” الأمريكية عن افتتاح أول صالة عرض ومركز خدمة لها في الرياض، وسط عرض صحراوي لسيارة “سايبرتراك” وهي تجوب الرمال. بدا المشهد مسرحيًا، يحاكي أفلام هوليوود أكثر من كونه تحوّلًا اقتصاديًا واقعيًا. خلف هذه العروض، تعاني تسلا من تراجع في المبيعات بنسبة 1.1% خلال عام 2024، وسط مقاطعة مستمرة من عدة أسواق كبرى بسبب مواقف مؤسسها السياسية المتطرفة، وتزايد المنافسة من شركات آسيوية مثل BYD.

استغلال المال السعودي… لا استثمار حقيقي

النظام السعودي لا يسعى لبناء صناعة وطنية حقيقية، بل يستخدم هذه الشراكات للترويج لواجهة حداثية فارغة. لم تعلن “تسلا” عن أي خطط لنقل التكنولوجيا، أو تدريب كوادر سعودية، أو حتى بناء مصانع محلية مستدامة. بل كل ما في الأمر هو فتح مراكز بيع وصيانة، في دولة لا تزال بنيتها التحتية الكهربائية غير مؤهلة للتوسع الكبير في السيارات الكهربائية.

بينما تسعى الحكومة إلى رفع نسبة استخدام السيارات الكهربائية إلى 30% بحلول 2030، فإن الواقع يقول إن هذه النسبة لم تتجاوز 1% في 2023، ومع أقل من 150 محطة شحن في بلد بهذه الضخامة الجغرافية، فإن الحلم يبدو أبعد من أن يتحقق.

النظام السعودي بين دعم لوسيد وتلميع تسلا

من أكثر المفارقات المثيرة للريبة أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، المملوك للنظام السعودي، يمتلك 60% من شركة “لوسيد”، المنافس الرئيسي لتسلا. كيف يمكن تفسير فتح الأبواب لشركة منافسة في وقت يجري فيه الترويج لصناعة وطنية؟ الجواب يكشف غياب التخطيط، وتعدد الأجندات، واستمرار النهج القائم على الاستعراض لا الإنجاز.

إنفاق المليارات على شركات أجنبية لا يؤدي إلى نهضة صناعية، بل يزيد من التبعية. خصوصًا عندما توجّه تلك الأموال لتلميع شخصيات مثيرة للجدل مثل ماسك، المعروف بدعمه لليمين الأمريكي وسياسات الاحتلال الإسرائيلي.

مقاطعة عالمية وأزمة هوية لماسك وتِسلا

شهدت تسلا في السنوات الأخيرة مقاطعة كبيرة في أوروبا وأمريكا، إثر مواقف ماسك المعلنة. دعمه لسياسات عنصرية وأجندات إسرائيلية، وترويجه لخطاب الكراهية على منصة “إكس”، تسبّب في تراجع مبيعاته في أسواق رئيسية. ومن الطبيعي أن يبحث ماسك عن أسواق بديلة لا تُعنى بالاعتبارات الأخلاقية، مثل السوق السعودي، حيث لا تُطرح أسئلة حول حقوق الإنسان أو مواقف الشركاء.

تحالف ماسك ونتنياهو… السعودية تدفع الفاتورة

لا تُفهم علاقة ماسك بالسعودية دون الحديث عن علاقته ببنيامين نتنياهو. وفق تقارير من “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز”، فإن لقاءات مكثفة جمعت الرجلين لتنسيق مواقف إعلامية وسياسية، خاصة فيما يتعلق بالتحكم في خطاب وسائل التواصل. وكلما توسعت استثمارات ماسك في الخليج، زاد نفوذ إسرائيل في دوائر وادي السيليكون.

هنا، لا يعود الأمر شراكة اقتصادية، بل عملية دعم غير مباشر لأجندات إسرائيلية على حساب الدم الفلسطيني، وبأموال النفط العربي.

تسلا.. ورمزية الفشل المشترك

دخول “تسلا” إلى السعودية ليس إنجازًا، بل اعتراف بفشل الطرفين: شركة تبحث عن متنفس من أزمتها التجارية والسياسية، ونظام يلهث وراء شرعية دولية تعوضه عن غيابها داخليًا. كل هذه المليارات التي تُدفع باسم “رؤية 2030” كان يمكن أن تُوظف في إنشاء محطات شحن وطنية، دعم الشركات الناشئة، تطوير التعليم، أو تمويل البحث العلمي، لكنها تذهب لملياردير أمريكي يعيش عزلة سياسية في بلاده.

تكنولوجيا بلا كرامة

أن تُستورد تسلا للسعودية بينما لا تُحل أزمة الإسكان أو تُحترم حرية التعبير هو تناقض فادح. أن تُستثمر المليارات في شركة يصف رئيسها نتنياهو بـ”الملهم” بينما تُقطع المساعدات عن غزة، هو سقوط أخلاقي قبل أن يكون فشلًا اقتصاديًا. تسلا على رمال الصحراء ليست رمزًا للتقدّم، بل تمثال مجوف من الحداثة، يقف فوق أرض تعاني من كل ما يُناقض قيم الحرية والتقدم.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً