من قدسية العبادة إلى غرامات الإقامة.. الحرم المكي في عهد بن سلمان… سلعة تُدرّ الأموال

 من قدسية العبادة إلى غرامات الإقامة.. الحرم المكي في عهد بن سلمان… سلعة تُدرّ الأموال

في مشهد يعكس تحوّلاً جوهريًا في فلسفة إدارة الأماكن المقدسة، أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن فرض غرامات مالية تصل إلى 100 ألف ريال (نحو 26.6 ألف دولار) على الشركات والمؤسسات التي تُقدّم خدمات الحج والعمرة، في حال تأخرت عن الإبلاغ عن أي حاج أو معتمر لم يغادر المملكة بعد انتهاء مدة إقامته المقررة.

هذا القرار الذي جاء في إطار ما تصفه السلطات بـ”تنظيم شؤون الحج والعمرة” يكشف عن منحى متصاعد لتحويل المناسك الدينية إلى نظام رقابي تجاري مشدد، تُغلَّف فيه الإجراءات بالعقوبات والغرامات، بعيدًا عن روح الضيافة الدينية التي طالما تميزت بها المملكة لعقود.

 الحرمين… من رمز روحي إلى نظام مالي صارم

في السابق، لطالما قدّمت السعودية نفسها كخادمة للحرمين الشريفين، تحرص على راحة ضيوف الرحمن دون أي مقابل مادي مبالغ فيه، لكن هذا المفهوم بدأ يتآكل تدريجيًا مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان، الذي حوّل إدارة الحج والعمرة إلى نموذج استثماري ربحي يخضع لمنطق السوق والمحاسبة الدقيقة.

الغرامات الجديدة، التي تتعدد بتعدد المعتمرين والحجاج المتأخرين، لا تُظهر فقط تشددًا في الرقابة، بل تُحوّل أيضًا تجاوز إقامة الحاج أو المعتمر إلى “فرصة مالية” تستفيد منها الدولة بشكل مباشر، في حين أن كثيرًا من الحجاج، خاصة من الدول الفقيرة، يواجهون صعوبات لوجستية خارجة عن إرادتهم.

 من الرحمة إلى الردع… أين ذهبت “ضيافة الحرمين”؟

في السياق ذاته، تنص قوانين السعودية على السجن والإبعاد والغرامة لأي مخالف لتأشيرة الحج أو العمرة، في ما يبدو أنه تغليب لمنطق الردع الأمني على مرونة التعامل مع ضيوف الرحمن، حتى في حال حدوث ظروف طارئة أو تأخير غير مقصود.

ويثير هذا التوجه تساؤلات مشروعة حول أولويات النظام السعودي الحالي: هل ما تزال مكة والمدينة تُدار كوجهتين روحيتين عالميتين؟ أم أنهما تحوّلتا إلى “مناطق خدمات فندقية وتنظيمية” تتعامل مع الحجاج والمعتمرين كزبائن يجب تقنين تحركاتهم بدقة ومحاسبتهم ماليًا؟

 نظام الحج والعمرة تحت قبضة الرؤية الاقتصادية

تأتي هذه السياسات في ظل رؤية السعودية 2030، التي يقودها محمد بن سلمان، وتركّز بشكل واضح على تحويل المناسك الدينية إلى رافد اقتصادي رئيسي، حيث تسعى المملكة إلى استقبال 30 مليون معتمر سنويًا بحلول 2030، في إطار ما تسميه “توسيع الخدمات”، لكن على أرض الواقع، تُقابل هذه الزيادة بتشديد في الإجراءات ومضاعفة للرسوم والغرامات.

فمن تذاكر الصلاة في الروضة الشريفة، إلى تقسيم فئات الحجاج بحسب القدرة المالية، ثم فرض غرامات مرتفعة على الشركات، كل ذلك يؤكد أن الإدارة السعودية الحالية لا تفصل بين قدسية المكان ومنطق الربح.

من عبادة مقدسة إلى سلعة مضبوطة بالغرامة

رغم أن التنظيم الإداري مطلوب لضمان سلاسة أداء المناسك، إلا أن ما يحدث اليوم في السعودية يعكس نزعة للسيطرة المالية والأمنية على واحدة من أقدس الشعائر في العالم الإسلامي.

وفي الوقت الذي يستثمر فيه النظام السعودي في الترويج للحج والعمرة كوجهة عالمية راقية، فإنه يزرع شعورًا متناميًا بأن الضيافة تحوّلت إلى فاتورة، والعبادة إلى خدمة، والروحانية إلى “نظام محاسبة”.

فهل هذا هو مستقبل الحرمين في ظل الرؤية الجديدة؟ أم أن الشعوب الإسلامية ستعيد التأكيد بأن قدسية الأماكن لا تُقاس بحجم الإيرادات ولا تُدار بالعقوبات؟

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً