في فضيحة جديدة تهز أركان النظام السعودي وتفضح سلوكه القمعي المتكرر، اعترف محامي شركة NSO الإسرائيلية علنًا بأن السعودية كانت من بين زبائن برنامج التجسس الشهير “بيغاسوس”، المتورط في اختراق أكثر من 1200 حساب على تطبيق واتساب عام 2019. وبينما كان النظام يُنفق الملايين لتلميع صورته في الخارج، كان في الوقت ذاته يشنّ حربًا رقمية قذرة على النشطاء والمعارضين والصحفيين حول العالم.
قائمة المحتوى
تكنولوجيا إسرائيلية بتمويل سعودي.. التجسس بدل الإصلاح
في سابقة صادمة، كشف موقع TechCrunch أن محامي شركة NSO الإسرائيلية، المطورة لبرنامج التجسس “بيغاسوس”، اعترف خلال إجراءات قانونية جارية بأن النظام السعودي كان أحد زبائن هذا البرنامج عام 2019. البرنامج استخدم في اختراق حسابات أكثر من 1200 مستخدم لتطبيق واتساب، بينهم صحفيون وناشطون وسياسيون، في حملة واسعة من المراقبة الرقمية.
هذا الاعتراف يُسقط كل الادعاءات السعودية حول التزامها بالإصلاح والانفتاح، ويؤكد أن سلوك النظام قائم على التسلط والتجسس، لا الحوار ولا الشفافية. أن تتعاون الرياض مع شركة إسرائيلية لهذا الغرض، رغم خطابها المعلن ضد الاحتلال، يفضح تناقضاتها الأخلاقية والسياسية.
بيغاسوس وأداة القمع الإلكتروني
برنامج “بيغاسوس” ليس أداة تقنية محايدة، بل سلاح استخباراتي رقمي، صُمم لاختراق الهواتف دون علم أصحابها، والتجسس على محادثاتهم، مواقعهم، وكاميراتهم. وبدل أن يُستخدم لمحاربة الإرهاب أو الجريمة المنظمة، استُخدم في السعودية لتكميم أفواه الصحفيين، ورصد تحركات المعارضين، وحتى ملاحقة المغتربين والنشطاء في الخارج.
وفي وقت تطلق فيه المملكة مشاريع استثمارية بمليارات الدولارات لتلميع صورتها أمام الغرب، تنفق مئات الملايين سرًا على أدوات تجسس تُمارَس ضد مواطنيها.
1200 ضحية على واتساب.. صحفيون ومعارضون تحت المراقبة
الاختراق الذي جرى عام 2019، بحسب واتساب، استهدف أكثر من 1400 مستخدم حول العالم، وكانت السعودية بين أبرز الدول التي شنت هذه الحملة. من بين المستهدفين صحفيون يعملون في “الجزيرة”، “نيويورك تايمز”، و”رويترز”، بالإضافة إلى نشطاء حقوقيين ومعارضين سعوديين في المنفى.
ووفق مصادر قضائية، فقد تم استخدام “بيغاسوس” لتعقب مواقع الضحايا، تسجيل مكالماتهم، وسرقة بياناتهم الشخصية، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية المتعلقة بالخصوصية والحقوق الرقمية.
الاختراق الممنهج: اغتيال الخصوصية باسم الأمن
هذه العملية لم تكن حادثًا فرديًا أو تجاوزًا غير محسوب. بل كانت سياسة ممنهجة، تتماشى مع التوجه الأمني الجديد في السعودية بعد صعود محمد بن سلمان، حيث أُعيد تشكيل الأجهزة الأمنية لتكون ذراعًا لملاحقة كل من يجرؤ على الانتقاد، حتى لو كان خارج البلاد.
الاختراقات الإلكترونية باتت رديفًا للاعتقالات والتعذيب الجسدي. من لم يطالهم السجن داخل المملكة، طالتهم عين النظام من خلال بيغاسوس، في حرب نفسية موازية تهدف إلى ترويع الجميع.
ردود فعل حقوقية.. صمت سعودي وتنديد دولي
منظمات مثل “مراسلون بلا حدود”، “هيومن رايتس ووتش”، و”العفو الدولية” دانت مرارًا استخدام بيغاسوس من قِبل دول مثل السعودية والإمارات والمغرب. لكن الرد السعودي الرسمي كان إما الإنكار، أو الصمت الكامل.
هذا الصمت الآن لم يعد ممكنًا بعد الاعتراف الرسمي من داخل NSO. الصمت السعودي، في هذه الحالة، لم يعد دفاعًا، بل إدانة إضافية تُثبت التورط وتكشف زيف الخطاب الحكومي عن الانفتاح وحقوق الإنسان.
اللجوء إلى برامج تجسس متطورة بدل فتح المجال لحوار وطني حقيقي، يعكس هشاشة النظام السعودي داخليًا. السلطة التي تثق بشعبها لا تتجسس عليه، ولا تخاف من رأيه، ولا تُطارد معارضيها عبر الحدود.
نظام يخاف الحقيقة ويقاتلها بالتنصت
فضيحة بيغاسوس تُسقط ورقة التوت الأخيرة عن الخطاب السعودي الرسمي. دولة تنفق على التجسس بدل التعليم، على القمع الرقمي بدل الحوار الوطني، لا تبني مستقبلًا بل تُجهز لمزيد من الانهيار الأخلاقي والسياسي.
الآن، بعد هذا الاعتراف العلني، لم يعد السؤال ما إذا كانت السعودية متورطة، بل إلى أي مدى سيستمر الإفلات من العقاب؟ ومن سيحاسب على انتهاك خصوصية آلاف الأشخاص، بعضهم لا يزال يواجه التهديد حتى اليوم؟
من الواضح أن نظامًا يخاف من صوت الإنسان، سيظل يبحث عن أدوات لإسكاته. وبيغاسوس لم يكن سوى واحدة منها.