النظام السعودي يحفر وهمًا: من سخرية ذا لاين إلى فضيحة فيلم نيوم المفقود

النظام السعودي يحفر وهمًا: من سخرية ذا لاين إلى فضيحة فيلم نيوم المفقود

النظام السعودي يواصل إنفاق المليارات على مشاريع استعراضية تحت لافتة “رؤية 2030″، دون أي دراسة جدوى حقيقية أو نتائج ملموسة على الأرض. من مشروع “ذا لاين” الذي أصبح مادة للسخرية من خبراء غربيين، إلى فيلم “ديزرت واريور” الذي التهم 140 مليون دولار دون أن يرى النور حتى اللحظة، يتكرر النمط ذاته: ضخ أموال النفط في مشاريع ضخمة لا تخدم المواطن ولا الاقتصاد، بل تُستخدم لتلميع صورة ولي العهد على المسرح العالمي.

سخرية علنية من مشروع ذا لاين.. عندما تتحول الرؤية إلى مادة تهكم

في لحظة كاشفة عن طبيعة مشروع “ذا لاين”، أحد أكثر مشاريع رؤية 2030 طموحًا – أو بالأحرى استعراضية – خرج أستاذ العلوم المالية في كلية الملك بلندن، البروفيسور باتريك بويل، بسخرية لاذعة قائلاً:

“لقد حفروا بالفعل حفرة كبيرة، وهذا ربما الجزء الأصعب من العمل. كل الأشياء الأخرى – مثل المبنى ذو الـ 106 أميال والسيارات الطائرة والقمر الصناعي – تصبح سهلة بمجرد الانتهاء من الحفر!”

هذه الكلمات لا تعكس فقط استهزاءً علميًا، بل تُجسد حالة الإجماع الدولي المتزايد على الطابع الخيالي وغير الواقعي للمشروع الذي تروج له الرياض بكثافة.

النظام السعودي يراهن على “ذا لاين” كرمز للتحول الحضاري، لكن المشروع يفتقد لأبسط المقومات الأساسية للنجاح: دراسة جدوى شفافة، خطة تمويل واقعية، وجدول زمني قابل للتنفيذ. ما يجري اليوم هو عملية إنفاق مفتوحة على مشروع بلا سقف، ولا رقابة، ولا محاسبة.

الحفرة التي تبتلع المليارات

لا أحد يعلم على وجه الدقة كم أنفقت السعودية حتى الآن على “ذا لاين”، لكن التقديرات الأولية تُشير إلى أن الميزانية ستتجاوز 1.5 تريليون دولار إذا استُكملت مراحله كافة. المثير في الأمر أن المشروع بدأ بحفر خندق ضخم على امتداد الصحراء، في مشهد هوليودي لا يقل عبثًا عن أفلام الخيال العلمي.

هذه الحفرة التي يحتفي بها الإعلام الرسمي ليست سوى بداية لطموح تقني مبالغ فيه، يربط المدن بالطائرات الطائرة والأقمار الصناعية والأسطح العاكسة.

كل هذا يحدث في وقت تعاني فيه المملكة من تراجع معدلات التوظيف الحقيقي، وارتفاع التضخم، وازدياد الضغط على الميزانية العامة بسبب انخفاض أسعار النفط وتكاليف مشاريع الترفيه والسياحة.

فيلم ديزرت واريور.. إنتاج عالمي أم جريمة مالية؟

في موازاة الحفريات التي تبتلع الرمال والدولار معًا، أنفقت الحكومة السعودية أكثر من 140 مليون دولار لإنتاج أول فيلم عالمي في منطقة نيوم بعنوان “ديزرت واريور” من إخراج روبرت ويات، وبطولة النجم الأمريكي أنطوني ماكي، والحائز على الأوسكار بين كينغسلي. الفيلم انتهى تصويره منذ عام 2022، لكنه لم يُعرض في أي مهرجان، ولا يملك حتى الآن موعدًا رسميًا للإطلاق.

تقرير لموقع “بزنس إنسايدر” وصف التأخير بأنه “غير مسبوق في تاريخ هوليوود”، ما يطرح علامات استفهام خطيرة حول الكفاءة التشغيلية، وطبيعة العقود، والشفافية في التعامل مع المال العام السعودي. كيف لفيلم بهذا الحجم أن يظل حبيس الأدراج؟ وأين هي المحاسبة على تجاوز الميزانية إلى الضعف دون إنتاج أو مردود؟

التأخير الغامض.. وغياب الشفافية

ما يثير الريبة أكثر هو الصمت الرسمي التام تجاه مصير هذا الفيلم. لم تُقدّم أي وزارة أو هيئة سعودية تفسيرًا لتأجيل العرض، أو لخسارة الأموال. ويبدو أن المشروع بأكمله أصبح عبئًا على الدعاية الرسمية التي تروج لنيوم كواجهة للحداثة، بينما تفرغت الصحافة الأجنبية لتوثيق فشله.

نحن لا نتحدث عن فيلم وثائقي بسيط، بل عن إنتاج سينمائي ضخم يُفترض أن يكون حجر الأساس لصناعة ترفيه سعودية عصرية. لكنه بدل أن يُبهر العالم، فضح هشاشة إدارة المشاريع السعودية التي تُسلّم المليارات لمستشارين أجانب دون رقابة أو محاسبة.

نظام اقتصادي يستثمر في الوهم لا الإنسان

ما يجمع بين “ذا لاين” و”ديزرت واريور” هو العقلية ذاتها: ضخ الأموال في مشاريع لا تخدم المواطن، بل تُستخدم كأدوات للعلاقات العامة، وتلميع الصورة الخارجية لولي العهد. المواطن السعودي اليوم يعاني من تضخم متصاعد، وضرائب متعددة، وقوانين مالية جائرة مثل “إيقاف الخدمات”، بينما تُهدر الثروات على مشاريع نُسجت في مكاتب دعاية، لا على أرض الواقع.

كل دولار يُنفق في هذه المشاريع كان يمكن أن يُوظف في تحسين الصحة، التعليم، الإسكان، أو دعم المشاريع الصغيرة. لكن النظام يفضل هندسة الصورة لا الواقع، والدعاية لا التنمية.

مشروعات تبتلع المليارات ولا تثمر إلا الدعاية

ذا لاين، بمظاهره الخرافية، وفيلم ديزرت واريور، بعثرته المالية، ليسا سوى مثالين من عشرات المشاريع التي تُنفق عليها المليارات في السعودية دون أي مردود حقيقي. المواطن لا يرى نتائج، والخبراء يسخرون، والمجتمع الدولي يُراقب.

المشكلة الحقيقية أن هذا النزيف لا يُقابله أي مساءلة. لا أحد يُسأل أين ذهبت الأموال، ولا أحد يُحاسب على الفشل. النظام السعودي مستمر في بناء وهم كبير، لكن الحقيقة أنه يبني فوق الرمال، وفي النهاية، الرمال لا تحتمل كل هذا الثقل.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً