من واشنطن إلى العجز الداخلي: النظام السعودي يسحب استثماراته هربًا من الانهيار

من واشنطن إلى العجز الداخلي: النظام السعودي يسحب استثماراته هربًا من الانهيار

الخطوات التي يتخذها النظام السعودي في ملف استثماراته الخارجية لم تعد تُقرأ كقرارات اقتصادية رشيدة، بل كعلامات انهيار تدريجي لثقة الدولة بنفسها. آخر هذه الخطوات ما يمكن وصفه بـ”الهروب الاستثماري”، حيث واصلت الرياض سحب استثماراتها من سندات الخزانة الأمريكية، في وقتٍ تتصاعد فيه أزمات الداخل، ويتسع العجز، وتتهاوى المشاريع الوهمية على رؤوس المواطنين. ما يُسوّق على أنه “تنويع استثماري” ما هو إلا رد فعل متأخر على سياسة مالية مأزومة، واقتصاد يُدار بردود الأفعال بدلًا من التخطيط الاستراتيجي.

أرقام الانسحاب.. تراجع مستمر ومخاوف متزايدة

خلال الأشهر الأخيرة، واصلت السعودية خفض استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، لتسجل أدنى مستوى لها منذ سنوات. ووفقًا لتقارير وزارة الخزانة الأمريكية، تقلصت حيازة السعودية إلى ما دون 110 مليارات دولار، بعد أن كانت تتجاوز 180 مليارًا في ذروتها.

هذا الانخفاض الحاد يُثير علامات استفهام كثيرة، خصوصًا أنه يتزامن مع ارتفاع الإنفاق الداخلي، وتراجع الإيرادات، وازدياد الضغط على الاحتياطيات الأجنبية.

الرواية الرسمية: تنويع أم تبرير؟

الحكومة السعودية، عبر أدواتها الإعلامية، تُروج لهذا القرار تحت شعار “تنويع الاستثمارات” و”التحوط من مخاطر السوق الأمريكية”. إلا أن هذا التبرير لم يعد يقنع أحدًا. فواقع الحال يكشف أن الأمر ليس خيارًا استثماريًا بقدر ما هو ضرورة فرضتها أزمة سيولة خانقة داخل المملكة.

في ظل ارتفاع فاتورة مشاريع رؤية 2030، وتمويل التوسع في الترفيه والرياضة، باتت الحكومة بحاجة إلى السيولة بأي وسيلة، ولو على حساب استثمارات استراتيجية.

السبب الحقيقي: عجز داخلي وخوف من التجميد

من الأسباب الخفية التي تقف وراء هذا الانسحاب، تزايد القلق داخل النظام السعودي من إمكانية تجميد الأصول أو فرض قيود أمريكية في حال اندلاع أزمات دبلوماسية، خاصة في ظل التوترات المتكررة بشأن ملف حقوق الإنسان، وفضائح اغتيال خاشقجي، ودور المملكة في حرب اليمن.

بالتالي، يُنظر إلى هذا الانسحاب كجزء من استراتيجية هروب من تبعية مالية قد تُستخدم يومًا كسلاح سياسي ضد النظام.

النظام السعودي يغامر بالاحتياطيات لتمويل فشله

أمام العجز المتزايد في الميزانية، وارتفاع مستويات الإنفاق غير المنتج، يضطر النظام السعودي إلى السحب من الأصول الخارجية لتعويض الفشل الداخلي. من تمويل موسم الرياض إلى استقدام نجوم كرة القدم، إلى مشاريع تكنولوجية ضخمة غير ذات جدوى، كلها أصبحت عبئًا ماليًا ضخمًا.

والأسوأ أن هذه المشاريع لا تحقق عائدًا مستدامًا، بل تُستهلك كأدوات دعائية لتلميع صورة ولي العهد، على حساب مستقبل الأجيال القادمة.

تداعيات خطيرة: سحب الأموال لا يُخفي الأزمة

خفض الاستثمار في سندات آمنة مثل الأمريكية، يُضعف استقرار الاقتصاد السعودي على المدى الطويل. ويعني أيضًا تراجعًا في الثقة بالعملة الأجنبية، وارتفاع المخاطر التي تتعرض لها الاحتياطيات النقدية.

كما أن مثل هذا القرار قد يؤدي إلى تراجع التصنيف الائتماني للمملكة، خصوصًا إن ترافق مع استمرار إصدار الصكوك والديون لسد الفجوات التمويلية.

من سندات واشنطن إلى مشاريع الرمال

بينما تخرج مليارات الدولارات من سندات آمنة إلى مشاريع رملية غير مكتملة، يُدفع المواطن السعودي ثمن هذا التخبط. فبدل أن يُستخدم الفائض المالي في تحسين التعليم، أو دعم الصحة، أو خلق فرص عمل حقيقية، يُهدر على صفقات مؤقتة تفتقر لأي بُعد استراتيجي.

خلاصة الأمر أن الانسحاب من السندات الأمريكية لا يُعبّر عن استقلال اقتصادي، بل عن حالة ارتباك عميقة داخل نظام يُحارب الأزمات بالهروب لا بالمواجهة. من واشنطن إلى نيوم، تتنقل الأموال… بينما يظل الواقع الاقتصادي على حافة الانهيار

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً