رغم الخطاب الرسمي الذي تسوّقه المملكة العربية السعودية أمام العالم، والذي يروّج لمسار تحديثي وانفتاح اجتماعي، يكشف السجل الحقوقي الداخلي عن واقع مختلف تمامًا، يتسم بانتهاكات ممنهجة، وقمع متواصل، ولا سيما في ما يتعلق بحقوق القُصّر.
في عام 2024، سجّلت المملكة رقماً قياسيًا في تنفيذ أحكام الإعدام، بلغ 345 حالة، وهو الأعلى منذ ثلاثة عقود، وأكثر من ضعف ما تم تسجيله في عام 2023. هذه الأرقام الصادمة تأتي في وقت تدّعي فيه السلطات إدخال إصلاحات على نظام العدالة الجنائية.
قائمة المحتوى
استهداف القُصّر واستمرار أحكام الإعدام
رغم إعلان السلطات في عام 2020 عن إنهاء العمل بعقوبة الإعدام بحق القاصرين، لا تزال المملكة تُبقي على ثغرات قانونية تمكّن القضاة من تجاوز هذا الحظر، خصوصاً عبر قضايا القصاص والحدود، التي لا يشملها المرسوم الملكي. ونتيجة لذلك، لا تزال المحاكم السعودية تصدر أحكاماً بالإعدام ضد أحداث، مستندة إلى إعادة تصنيف التهم أو اجتهادات قضائية، في انتهاك صارخ للمادة 37 (أ) من اتفاقية حقوق الطفل.
كما لم تُقنن هذه الوعود عبر تعديل القوانين المحلية، ما جعل تنفيذ الإصلاحات رهناً بالسلطة التقديرية، وفتح الباب أمام انتقائية واضحة في التطبيق، تهدد سلامة الأطفال وتضعف التزامات السعودية الدولية.
محاكمات تفتقر للعدالة
العديد من القضايا تعكس هشاشة الضمانات القانونية للأطفال المحتجزين. في 2022، أصدرت محكمة سعودية حكماً بالإعدام بحق عبد الله الحويطي، بتهمة ارتكاب جريمة وهو في سن السابعة عشرة، رغم ما أُثير حول تعرّضه للتعذيب وتناقض الأدلة. وفي يونيو 2024، صدر حكم بالإعدام ضد جلال اللباد عن أفعال يُزعم أنه ارتكبها وهو قاصر، بعد تعرضه لانتهاكات مشابهة شملت الحرمان من الاستعانة بمحامٍ والاحتجاز في ظروف قاسية.
تجريم المعارضة حتى في سن الطفولة
يتعرض القُصّر في السعودية لمحاكمات بناء على قوانين فضفاضة، مثل قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، التي تجرّم “الإخلال بالنظام العام” أو “الإضرار بسمعة الدولة”. وغالبًا ما تُستخدم هذه القوانين لقمع أي شكل من أشكال التعبير السياسي، حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك ضد الأطفال.
تجاهل دولي لتحذيرات أممية
رغم تحذيرات الفريق الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، الذي وثّق وجود خمسة أطفال على الأقل يواجهون خطر الإعدام، لم تظهر السلطات السعودية أي تجاوب يُذكر. كما أُبلغ عن احتجاز عدد من القاصرين في عزلة تامة، دون تمكينهم من الاتصال بمحامٍ، أو الحصول على محاكمة عادلة.
واجهة التحديث تخفي واقعاً مظلماً
تواصل السعودية الترويج لنفسها كدولة منفتحة عبر استضافة أحداث دولية كبرى وحملات علاقات عامة تهدف إلى إعادة تشكيل صورتها عالميًا. غير أن هذه الصورة المصقولة تتناقض جذريًا مع الواقع الحقوقي الداخلي، حيث تُرتكب انتهاكات جسيمة بحق القُصّر دون محاسبة، ويُستخدم القضاء أداة للقمع لا للعدالة.
وإلى أن يتم إجراء إصلاحات تشريعية حقيقية تُنهي عقوبة الإعدام ضد القُصّر وتضمن حقوقهم في العدالة والحماية، سيظل سجل السعودية الحقوقي موضع إدانة دولية، يتعارض جذرياً مع الخطاب الذي تسعى لترويجه للعالم.