النفط يهبط… والتقشف يعود

النفط يهبط… والتقشف يعود

السعودية تواجه ضغوطًا مالية جديدة قد تعيد ترتيب أولويات رؤية 2030

تواجه المملكة العربية السعودية ضغوطًا مالية متزايدة مع استمرار تراجع أسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، في ظل تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما يُنذر بتخفيضات إضافية في الإنفاق العام خلال الفترة المقبلة، ويضع مشاريع رؤية 2030 على مسار مراجعة جديدة للأولويات.

ورغم أن الميزانية السعودية للعام 2025 كانت قد أدرجت بالفعل تخفيضات في الإنفاق بنسبة 4.5%، فإن التطورات الأخيرة في الأسواق النفطية — وعلى رأسها انخفاض سعر خام برنت إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل في أبريل لأول مرة منذ أربع سنوات — قد تدفع الحكومة إلى تشديد إجراءات التقشف، في محاولة لسد الفجوة التمويلية المتزايدة.

فجوة متصاعدة في الميزانية.. وعجز مرشح للارتفاع

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن سعر التوازن لبرميل النفط المطلوب لتحقيق تعادل الميزانية السعودية يبلغ نحو 90 دولارًا، وهو ما يجعل التراجع الحالي مقلقًا، خاصةً مع توقعات بأن يرتفع العجز المالي إلى 67 مليار دولار خلال عام 2025، مقارنةً بـ27 مليارًا في التقديرات السابقة.

ويرى محللون أن هذا العجز سيدفع المملكة نحو زيادة الاعتماد على أدوات الدين، بعدما أقدمت بالفعل على اقتراض 14 مليار دولار هذا العام، وسط توقعات برفع سقف الاقتراض إلى 16.5 مليار دولار بنهاية العام.

“أوبك+” تفاجئ السوق.. والرسوم الأمريكية تضرب الطلب

ساهم قرار تحالف “أوبك+” بزيادة الإنتاج مطلع أبريل — بما في ذلك رفع السعودية لمستويات الإنتاج بأكثر من المتوقع — في الضغط على الأسعار، في وقتٍ كانت الأسواق تُعاني أصلًا من تداعيات رسوم جمركية جديدة فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما عُرف بـ”يوم التحرير”.

ورغم التوقعات الرسمية الإيجابية، فإن إدارة معلومات الطاقة الأميركية تتوقع استمرار ضعف الطلب وانخفاض متوسط سعر خام برنت إلى أقل من 70 دولارًا للبرميل في 2025، مع إمكانية تراجعه إلى حدود 60 دولارًا في 2026.

“رؤية 2030” أمام اختبار الأولويات

تشير التقارير إلى أن الضغوط المالية طالت صندوق الاستثمارات العامة السعودي نفسه، الداعم الرئيسي لمشاريع رؤية 2030، حيث قام بخفض إنفاقه بنسبة تصل إلى 20% في بعض القطاعات، وفقًا لمصادر في “أرابيان غلف بيزنس إنسايت”. وأشارت تقارير أخرى إلى أن بعض المشاريع تعرضت لتقليصات بلغت 60% من ميزانياتها.

ويقول مراقبون إن السعودية قد تضطر إلى إبطاء تنفيذ بعض المشاريع الطموحة، مع الإبقاء على المبادرات ذات البُعد الدولي مثل:

  • إكسبو 2030 – الرياض
  • دورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029
  • كأس العالم 2034

تحدي جذب الاستثمارات الأجنبية

رغم الزخم الكبير الذي تراهن عليه القيادة السعودية لتنفيذ مشاريع التحول الوطني، لا تزال المملكة تُكافح لجذب تدفقات استثمار أجنبي مباشر توازي أهدافها الطموحة.

فقد سجّلت صافي الاستثمارات الأجنبية تراجعًا بنسبة 40% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، وهو ما يعكس فجوة فعلية بين الطموح والتنفيذ، خصوصًا مع استمرار الاعتماد على الكفاءات الأجنبية في تشغيل المشروعات الكبرى، وغياب القدرة المحلية على إدارة بعض الملفات باستقلالية.

هل يعيد التقشف رسم ملامح الرؤية؟

يرى خبراء الاقتصاد أن السعودية، ورغم قدرتها على احتواء العجز عبر الاقتراض نظرًا لانخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي (أقل من 30%)، لن تستطيع المضي قدمًا في تمويل كل مشاريعها الكبرى بنفس الوتيرة، الأمر الذي قد يُعيد ترتيب أولويات “رؤية 2030”، ويُفضي إلى مراجعة إستراتيجية للإنفاق العام في ظل بيئة مالية أكثر تقلبًا.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً