في تصريح فجّ ومليء بالدلالات الخطيرة، كشفت مستشارة سياسية إسرائيلية عن تعويل “تل أبيب” على السعودية والإمارات في تنفيذ مشروع قمعي يستهدف “تنظيف” المدارس والمساجد في غزة من ما تسميه إسرائيل “التحريض”. هذه ليست مبادرة تربوية، بل غزو ثقافي وتعليمي جديد، تتصدره أنظمة استبدادية اعتادت سحق الحريات داخل حدودها، وتسعى الآن لتصدير نموذجها القمعي إلى شعب محتل ومحاصر. ما يُسوّق كمبادرة لمحاربة التطرف، هو في جوهره محاولة لطمس الهوية الوطنية والمقاومة في عقول الأطفال، وتحويل غزة إلى مختبر لتجريب السيطرة الأيديولوجية.
قائمة المحتوى
من التعليم إلى التجنيد الثقافي: الدور الجديد للنظام السعودي
لم تعد السعودية تكتفي بالقمع داخل حدودها، بل باتت تصدّر هذا القمع كسلعة إلى الشعوب الأخرى، وهذه المرة إلى غزة. النظام السعودي، الذي فرض سياسات رقابية صارمة على التعليم والخطاب الديني داخل المملكة، يتعاون الآن مع إسرائيل لتطبيق النموذج نفسه على قطاع غزة. الهدف المعلن هو “محاربة التحريض”، لكن الحقيقة أن ما يجري هو هندسة نفسية لتفريغ أي معاني للكرامة الوطنية والمقاومة من الأجيال القادمة.
الإمارات والسعودية.. تحالف استبدادي لخدمة الرواية الإسرائيلية
هذا التواطؤ لم يأت من فراغ، فالنظامان السعودي والإماراتي شريكان في مشروع إقليمي طويل الأمد يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية سياسيًا وثقافيًا. الإمارات افتتحت مسار التطبيع العلني، والسعودية تحاول اللحاق تدريجيًا من بوابة “مكافحة التحريض”. وكأن الشعوب العربية، خاصة في غزة، باتت بحاجة إلى دروس في التربية من أنظمة تمنع حتى خطبة جمعة دون موافقة أمنية.
ليان فولك ديفيد: شهادة على مشروع تغريب قسري
ليان فولك-ديفيد، المستشارة السياسية الإسرائيلية، لم تُخفِ نبرة الإعجاب بالنموذج الخليجي في “تنظيف المدارس والمساجد”، بل اعتبرته مثالًا يجب تطبيقه في غزة. هذا التصريح ليس فقط تهجمًا على التعليم الديني، بل هو دعوة لتفكيك البنية الثقافية والفكرية في القطاع، وتحويله إلى بيئة مخصية سياسيًا، تخلو من كل بذور المقاومة أو النقد أو الوعي السياسي.
المدارس والمساجد… ساحات الصراع الجديدة
المدارس والمساجد في غزة ليست فقط أماكن عبادة أو تعليم، بل مراكز ثقافية ومجتمعية ترسّخ الهوية الوطنية. استهدافها يعني قتل ما تبقى من الروح الفلسطينية، وتحويل الحصار من اقتصادي إلى عقلي وفكري. التعليم الفلسطيني، رغم كل العقبات، ظلّ رمزًا للثبات والتحدي، ومن هنا جاء استهدافه.
محاربة التحريض أم قمع المقاومة؟
حين تتحدث إسرائيل عن “محاربة التحريض”، فهي في الحقيقة تعني محاربة الرواية الفلسطينية ذاتها. كل حديث عن الاحتلال، أو المقاومة، أو المجازر، يُعد في قاموس الاحتلال تحريضًا. وما يُطلب من السعوديين والإماراتيين اليوم هو أن يصبحوا أدوات لقمع هذه الرواية، وأن يفرضوا سلوكهم القمعي داخل غزة كما فعلوا في بلدانهم.
غزة لا تحتاج أوصياء… بل دعمًا للحق لا للرقابة
غزة لا تحتاج أوصياء يحددون لها كيف تُدرّس أطفالها أو ما تقوله منابرها. ما تحتاجه هو دعم حقيقي لنضالها المشروع ضد الاحتلال، واحترام لحقها في صياغة وعيها الجمعي دون تدخلات استبدادية. محاربة “التحريض” ليست سوى واجهة لمحاربة الذاكرة والتاريخ والحق.
تصدير القمع لا يصنع سلامًا
إن محاولات تصدير القمع السعودي والإماراتي إلى غزة تُظهر فشل هذه الأنظمة في احتواء شعوبها، وسعيها الدؤوب لنيل الرضا الإسرائيلي والأمريكي على حساب قضايا الأمة. لكن التاريخ أثبت أن الشعوب، رغم كل محاولات الترويض، قادرة على التمييز بين من يقف معها ومن يتآمر عليها. وغزة، كما كانت دائمًا، لن تركع لا بالحصار، ولا بالتجويع، ولا بالتغريب التعليمي.