تراجع النمو يكشف المستور: صندوق النقد يفضح أوهام الاقتصاد السعودي

تراجع النمو يكشف المستور: صندوق النقد يفضح أوهام الاقتصاد السعودي

لم يكن خفض توقعات النمو الاقتصادي للمملكة مجرد تعديل رقمي عابر. بل هو بمثابة شهادة دولية على فشل النظام السعودي في إحداث تحول اقتصادي حقيقي. صندوق النقد الدولي، في تحديثه الأخير، خفّض توقعات نمو الاقتصاد السعودي لعام 2025 من 3.3% إلى 3%، ولعام 2026 من 4.1% إلى 3.7%. هذا التراجع يبعث برسالة واضحة: المشاريع العملاقة التي تستهلك المليارات لم تنعكس على مؤشرات النمو، بل زادت من هشاشة البنية الاقتصادية للمملكة.

تراجع الثقة الدولية في اقتصاد الريع السعودي

تراجع 0.3% في عام واحد قد يبدو طفيفًا ظاهريًا، لكنه في لغة الاقتصاد يعني تبخر مليارات الريالات من الناتج المحلي المتوقع. فالنمو الحقيقي هو مؤشر ثقة المستثمرين، استدامة الإيرادات، واستقرار السياسات. أما التراجع المتواصل فهو دليل على سوء الإدارة الاقتصادية والانغماس في الإنفاق غير المنتج.

صندوق النقد ليس مؤسسة معارضة للنظام السعودي، بل كان لفترة طويلة حليفًا تقليديًا له. لذا حين تصدر منه إشارات تراجع، فإنها تُقرأ كمؤشر خطير على اهتزاز الثقة الدولية. المستثمرون يتابعون هذه التقارير بدقة، ومن شأنها التأثير على قرارات ضخ الاستثمارات، أو منح القروض، أو تحديد تصنيف المملكة الائتماني.

في هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي روبرت كوبر من جامعة لندن للاقتصاد إلى أن “الاعتماد المفرط على العوائد النفطية في ظل مشاريع ضخمة تفتقر للعائد الاقتصادي الواقعي، يخلق حالة من المخاطرة الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل”.

المليارات المهدرة في نيوم والمواسم على حساب الاستقرار المالي

في الوقت الذي يعلن فيه النظام السعودي عن تخفيضات في توقعات النمو، يواصل ضخ مليارات الدولارات في مشاريع مثل “نيوم” التي تجاوزت تكلفتها 500 مليار دولار، ومواسم الترفيه التي تستهلك عشرات المليارات سنويًا. هذه المشاريع، رغم ضخامتها، لم تخلق فرص عمل حقيقية، ولم تحسن دخل المواطن، بل أسهمت في توسيع العجز ورفع مستويات الدين العام.

وفي تقرير سابق لوكالة بلومبرغ، تم التحذير من أن الإنفاق غير المنضبط على المشاريع الترفيهية في السعودية يفوق العوائد المحتملة منها، ويُشكل ضغطًا على الميزانية العامة في ظل انخفاض أسعار النفط، وازدياد الحاجة لتمويل أساسي في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية.

غياب إصلاحات حقيقية وازدياد الاعتماد على الاستدانة

رغم كل ما يُقال عن “إصلاحات اقتصادية”، فإن الواقع يُثبت أن النظام السعودي لا يزال يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، ولا توجد استراتيجية واضحة لتطوير القطاعات الإنتاجية. مقابل ذلك، يواصل النظام إصدار الصكوك وجمع الديون، ما يعمق التبعية المالية ويزيد من خطر الانهيار عند أي صدمة في أسعار النفط أو الأسواق العالمية.

في مارس الماضي، أصدرت وزارة المالية السعودية صكوكًا محلية بقيمة تجاوزت 3.7 مليارات ريال، وهي حلقة ضمن سلسلة طويلة من الاعتماد على أدوات الدين لسد العجز. بينما لا تزال قطاعات الزراعة والتصنيع تعاني من الإهمال المزمن.

الواقع يفضح الرؤية: أين ذهبت وعود 2030؟

“رؤية 2030” التي طُبل لها منذ سنوات، بدأت تتلاشى أمام الحقائق الرقمية. أين الاستثمارات الإنتاجية؟ أين تنويع الاقتصاد؟ أين الصناعة الوطنية؟ المواطن لا يرى شيئًا من هذا سوى الشعارات، فيما الأسعار ترتفع، والضرائب تتوسع، والخدمات تتراجع. وها هو صندوق النقد الدولي يؤكد ذلك بالأرقام.

منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”مركز الديمقراطية الآن للعالم العربي” أشاروا إلى أن فشل الرؤية يرتبط أيضًا بالبيئة السياسية القمعية، التي تُبعد الكفاءات، وتُعطل الابتكار، وتدفع المستثمرين إلى الهروب خوفًا من التقلبات الأمنية والتدخلات السياسية.

نهاية الوهم: الرؤية تتآكل والنظام السعودي يواصل خداعه

الخلاصة أن تقارير صندوق النقد لم تعد تترك للنظام السعودي أي مساحة للمناورة أو التبرير. الأرقام واضحة: النمو يضعف، الثقة تتآكل، والمشاريع التي بُنيت على الرمال تنهار تباعًا. “رؤية 2030” التي وُعد بها الشعب تحوّلت إلى كابوس من الديون والمجسمات الرقمية والإعلانات المفرغة. إذا استمر النظام على هذا النهج من الإنفاق السفيه والدعاية العمياء، فإن السقوط الاقتصادي لن يكون مفاجئًا، بل نتيجة حتمية لسلسلة من القرارات العبثية.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً