في سرد طويل يشبه الرواية أكثر من كونه سيرة، رسم تحقيق نشرته مجلة “ذا أتلتيك” الأميركية ملامح صادمة عن شخصية تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، وصديق ولي العهد محمد بن سلمان المقرب.
بين سطوة المال، وأضواء الملاعب، وحفلات الملاكمة الفاخرة، يكشف التحقيق عن شبكة من النفوذ والفضائح والاعتقالات والانتهاكات، جعلت من آل الشيخ أكثر من مجرد مسؤول حكومي: بل تجسيدًا لنموذج السلطة المطلقة بلا رقيب.
قائمة المحتوى
مشهد الواجهة: الترفيه والنجومية
في أمسية فاخرة في لندن، اجتمع أبرز نجوم الملاكمة حول تركي آل الشيخ.
جلس الرجل، ذو النظارات الداكنة، في قلب المائدة، محاطًا بعمالقة الرياضة، وقد تحول إلى العراب الخفي الذي يحرك خيوط الملاكمة العالمية، مدعومًا بدفتر شيكات هيئة الترفيه المفتوح.
استحوذ على مجلة “ذا رينغ” العريقة، نظم نزالات ضخمة بين أبطال كبار، وأعاد تشكيل خارطة الملاكمة العالمية تحت مظلة “موسم الرياض”.
لكن خلف الأضواء اللامعة، كان آل الشيخ يرسّخ نفوذه مستخدمًا أساليب لا تقل قسوة عن تلك التي عرفتها أروقة السياسة السعودية.
خلف الكواليس: النفوذ والنزوات
رسمت الشهادات التي جمعتها المجلة، من أكثر من 40 مصدرًا في عالم الرياضة والديوان الملكي والدوائر الاقتصادية، صورة مزدوجة لآل الشيخ:
- رجل يحمل مفاتيح الملاكمة العالمية بيد، وفي اليد الأخرى، سيف الولاء الأعمى لولي العهد.
- شخصية مثيرة للجدل، تحيطها شائعات عن نوبات غضب محرجة، وعلاقات غامضة، وتبديد أموال عامة على نزوات شخصية.
- مشبوه بعلاقته باختفاء المطربة المصرية آمال ماهر لفترة طويلة، بعد اتهامات باعتداء جسدي لم تُحاسب قضائيًا.
“جناح توتو”: السوط المجهول
أكثر ما كشفه التحقيق إرباكًا هو الربط المباشر بين آل الشيخ والاعتقالات التعسفية:
سجناء سابقون رووا أن جناحًا في سجن الحائر بالرياض يُعرف سرًا باسم “جناح توتو”، نسبة إلى لقب آل الشيخ، حيث احتُجز معارضون أو منتقدون له بمجرد تغريدة ناقدة.
عبدالله العودة، مدير مكافحة الاستبداد في مركز الديمقراطية للشرق الأوسط، أكد التحقق من أكثر من 10 حالات موثقة لسجناء بسبب انتقاد آل الشيخ، بعضهم تعرض للضرب والتعذيب والإخفاء القسري.
من الهامش إلى القلب
لم يكن تركي آل الشيخ إلا شابًا من عائلة متوسطة، لولا قربه المبكر من محمد بن سلمان، الذي كان رفيقه في جلسات ألعاب الفيديو وحفلات المصارعة.
مع صعود ابن سلمان إلى العرش، صعد آل الشيخ معه، متجاوزًا حدود منصبه الرسمي إلى حيث تصنع السلطة الحقيقية.
لعب أدوارًا خفية في إزاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف، وكان حاضرًا في خلفية مشهد “البيعة القسرية”، وساهم لاحقًا في حملات “الريتز كارلتون” التي أطاحت برجال أعمال وأمراء سعوديين تحت غطاء مكافحة الفساد.
معركة الظلال: بين الرميان وآل الشيخ
اليوم، بينما يقود تركي آل الشيخ مشاريع الترفيه والرياضة، يقف في مواجهة صامتة مع ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، في معركة خفية للهيمنة على أدوات القوة الناعمة السعودية.
صراع بدا للعيان في حفل رسمي خلال “موسم الرياض”، حين تجاهل آل الشيخ الرميان علنًا أمام كبار الشخصيات، في رسالة صامتة لكنها مدوية: من يمتلك الحظوة اليوم؟
الوجه الآخر للترفيه
في الظاهر، يروج آل الشيخ لصورة السعودية الجديدة: الحفلات العالمية، الملاكمة، المهرجانات، الأفلام الهوليوودية.
لكن خلف هذه الصورة، هناك قمع للمخالفين، انتهاك للحريات، وملاحقة للمنتقدين، حتى لو كان نقدهم متعلقًا بمجرد نزال ملاكمة أو قرار رياضي.
من سجن الحائر إلى ساحات الملاكمة بلندن، يبدو أن تركي آل الشيخ يقود مشروعًا شخصيًا ضخمًا: تثبيت صورته كعرّاب القوة الناعمة السعودية، مهما كان الثمن.
رجل بين عالمين
آل الشيخ يقف اليوم على حافة دقيقة:
صديق ولي العهد المخلص، ورجل الترفيه الأول، لكنه أيضًا عنوان لشخصية مثيرة للجدل داخليًا وخارجيًا.
مصيره، مثل مصير كثيرين قبله في البلاط السعودي، مرتبط بمدى استمرار الحظوة الملكية.
ففي نظام قائم على الولاء الشخصي، الاقتراب من الشمس خطر مميت.