تطبيع على مذبح الكرامة: كيف يبتز ترامب النظام السعودي لإرضاء تل أبيب؟

تطبيع على مذبح الكرامة: كيف يبتز ترامب النظام السعودي لإرضاء تل أبيب؟

لم يعد هناك مجال للشك: النظام السعودي يسير بخطى متسارعة نحو الهاوية الأخلاقية والسياسية. تصريحات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لمجلة “تايم”، والتي أكد فيها سعيه لإلحاق السعودية رسميًا باتفاقيات أبراهام، تكشف حقيقة لطالما حاولت الرياض إخفاءها: أن بوصلتها لم تعد القدس، بل واشنطن وتل أبيب. وبينما الدم الفلسطيني لا يزال ينزف في غزة والضفة، يهرول النظام السعودي لتقديم أوراق الولاء السياسي تحت غطاء “تحولات اقتصادية” كاذبة.

تطبيع مفضوح: من تحت الطاولة إلى العلن

لم تكن العلاقة بين الرياض وتل أبيب وليدة اليوم. منذ سنوات، تدور أحاديث عن لقاءات سرية وتنسيقات أمنية وصفقات تبادل مصالح. أما الآن، فها هو ترامب يكشف علنًا ما كان يُدار في الغرف المغلقة: السعودية على أعتاب تطبيع كامل مع إسرائيل، بلا خجل ولا مواربة.

مبادرة ترامب هذه ليست منفصلة عن مسار التخاذل الإقليمي؛ بل هي تتويج طبيعي لسنوات من الإشارات السعودية: فتح الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي، تنسيق سياسي غير معلن، تغييب للقضية الفلسطينية عن أولويات القمم الخليجية.

ترامب والنظام السعودي: حلف المصالح المشبوهة

الرئيس الأمريكي لا يخفي نظرته البراغماتية للسعودية: دولة غنية يمكن استنزافها بسهولة. وهو يدرك أن النظام السعودي، الذي يعيش في دوامة الأزمات الاقتصادية والسياسية، سيُقدم تنازلات مؤلمة مقابل حماية أمريكية رمزية.

تصريحات ترامب الأخيرة تؤكد أن إدارته ترى في النظام السعودي “حصالة نقود” وقاعدة جاهزة لدعم أي مشروع أمريكي – إسرائيلي في المنطقة. التطبيع، في عقلية ترامب، ليس إلا صفقة مالية وسياسية تُفرض بالقوة، حتى وإن جاء ذلك على حساب المقدسات والكرامة العربية.

اتفاقيات أبراهام: غطاء رخيص لبيع فلسطين

اتفاقيات أبراهام ليست مشروع سلام حقيقي، بل خطة مدروسة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية. دخول السعودية إلى هذا الحلف لن يكون خطوة شجاعة كما تحاول الدعاية الرسمية أن تصور، بل سيكون خيانة موصوفة لتاريخها ودينها وشعبها.

الهدف واضح: تصفية القضية الفلسطينية، محاصرة المقاومة، وتسويق الاحتلال الإسرائيلي كجزء طبيعي من نسيج المنطقة. وكل ذلك يتم بمباركة أنظمة لا هم لها سوى الحفاظ على عروشها، ولو كان الثمن التفريط في الأقصى وأرواح الفلسطينيين.

المقاومة ترفض والخيانة تتوسع

رغم حملات الضغط والتضليل، لا تزال المقاومة الفلسطينية — بكل أطيافها — ترفض التفريط بحقوقها أو بيع دماء شهدائها. غزة التي تقف صامدة في وجه آلة القتل الإسرائيلية، تدرك أن المال الخليجي لن يشتري كرامتها، وأن شعوب المنطقة لن تسكت طويلا على هذا الانهيار الأخلاقي.

المجتمعات العربية تزداد وعيًا يومًا بعد يوم بحقيقة من يقف مع قضاياها ومن يساوم عليها. والتاريخ أثبت أن الشعوب، مهما طال الزمن، تسقط عملاء التطبيع وتعيد الاعتبار لقضاياها العادلة.

النظام السعودي: سقوط مدوٍّ لقيم الريادة الدينية والسياسية

لعبت السعودية لعقود دور الحامي لقضايا الأمة الإسلامية. أما اليوم، فها هو النظام السعودي يُفرط في هذا الإرث مقابل مكاسب سياسية وهمية. تمويل إعادة إعمار غزة بشروط أمريكية، دعم مشاريع استسلامية، تغييب كامل لخطاب الدفاع عن المسجد الأقصى.

تصريحات ترامب فضحت تمامًا ما كانت تحاول الرياض تجميله: التطبيع مع إسرائيل لم يعد احتمالاً، بل هدفًا استراتيجيًا يتم السعي لتحقيقه مهما كانت الكلفة على صورة المملكة وسمعتها.

الإعلام الرسمي: صناعة الأكاذيب وغسل العار

الإعلام السعودي، الذي أصبح أبواقًا دعائية، يروج للتطبيع تحت عناوين مضللة مثل “التنمية”، و”الاستقرار الإقليمي”، و”السلام الاقتصادي”. لكنه يتجاهل الحقيقة الجوهرية: أن أي مشروع لا يقوم على استرداد الحقوق الفلسطينية هو مشروع خيانة مقنعة، مهما تزين بشعارات براقة.

لا سلام مع قتلة الأطفال في غزة. لا استقرار مع احتلال ينتهك الحرمات. لا ازدهار مع بيع القضية الأولى للأمة مقابل وهم الاستثمارات العابرة.

تطبيع مُشترى بالنفط.. ومُدنس بالدماء

حين تعرض الرياض كميات هائلة من الأموال لدعم مشاريع إعادة الإعمار بشروط أمريكية، فهي لا تفعل ذلك من منطلق إنساني، بل من بوابة تثبيت صفقة التطبيع. المال السعودي اليوم يُستخدم كأداة لتمرير أجندات إسرائيلية، تحت غطاء “دعم غزة” و”محاربة الإرهاب”، بينما الإرهاب الحقيقي يرتكب في ساحات نابلس وجنين وغزة.

التطبيع ليس قدراً.. والعار لن يُمحى بالدعاية

النظام السعودي، تحت ضغط ترامب وتحت وطأة أزماته الداخلية، يسير بخطى سريعة نحو خيانة تاريخية موصوفة. لكنه يجب أن يدرك أن التطبيع مع العدو الصهيوني لن يُعيد الشرعية الشعبية المفقودة، ولن يمنحه مكانة دولية محترمة. الشعوب لا تنسى، والقدس ليست للبيع، والتاريخ سيسجل من وقف مع الحق ومن خان الأمة.

التطبيع لن يُنقذ عرشًا آيلًا للسقوط، ولن يُغير هوية شعبٍ يعرف جيدًا أن الكرامة أثمن من كل المليارات، وأن فلسطين ستبقى بوصلة الأحرار، مهما خان الخائنون.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً