في تحليل صدر عن المجلس الأطلسي الأمريكي، طُرح تساؤل محوري: هل يستطيع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دفع مسار التطبيع مع إسرائيل إلى الأمام رغم التصاعد الكبير في الرفض الشعبي داخل المملكة؟ التحليل يبرز أن القضية الفلسطينية، رغم سنوات التهميش السياسي، عادت لتصبح عائقاً مركزياً أمام خطط التطبيع السعودي، في ظل غضب شعبي متنامٍ عقب الحرب الإسرائيلية على غزة.
قائمة المحتوى
■ تحولات في الرأي العام السعودي
وفقًا لاستطلاع أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في فبراير 2024، ارتفعت نسبة السعوديين الرافضين للتطبيع مع إسرائيل من 38% في عام 2022 إلى 68%، وهو ما يعكس تحوّلًا حادًا في المزاج العام بعد المجازر الموثقة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة خلال حربها الأخيرة.
ولي العهد نفسه أقرّ في لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أن الحرب الإسرائيلية على غزة “عرّفت جيلًا كاملًا من السعوديين بالقضية الفلسطينية لأول مرة”، موضحًا أن 70% من السعوديين أصغر منه سنًا، وغالبيتهم لم يكونوا مدركين لتفاصيل هذه القضية قبل هذه الحرب.
■ معادلة التطبيع: دولة فلسطينية مقابل ضمانات أمريكية
منذ عهد إدارة ترامب الأولى، كانت الخطة الأمريكية للتطبيع بين السعودية وإسرائيل تدور حول حزمة من المقايضات: علاقات دبلوماسية مقابل ضمانات أمنية أمريكية، ودعم في تطوير البرنامج النووي المدني السعودي، وتعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى “تقدم ملموس” في مسار إقامة دولة فلسطينية، وهو مصطلح ظل غامض المعالم ومفتوح التأويل.
لكن التجارب التاريخية أثبتت أن إسرائيل لم تلتزم قط باتفاق يتضمن صراحة إقامة دولة فلسطينية. من كامب ديفيد إلى أوسلو، ومن اتفاق وادي عربة إلى اتفاقيات أبراهام، بقيت الوعود للفلسطينيين حبرًا على ورق، فيما جنت الأطراف العربية مكاسب سياسية أو أمنية دون تحقيق أي تقدم حقيقي على الأرض الفلسطينية.
■ التحول بعد حرب غزة
قبل حرب أكتوبر 2023 في غزة، كانت السعودية تقترب تدريجيًا من التطبيع الكامل مع إسرائيل دون اشتراط صريح بإقامة دولة فلسطينية. لكن الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق غيّر قواعد اللعبة. في قمة جامعة الدول العربية، وصف محمد بن سلمان ما يحدث في غزة بـ”الإبادة الجماعية”، وفي تصريحات لاحقة أكد أن بلاده لن تمضي في التطبيع ما لم تقم دولة فلسطينية.
ومع اقتراب زيارة ترامب المرتقبة إلى المملكة، تعود الضغوط الأمريكية إلى الواجهة، مع احتمالات بطرح بدائل “تقنية” للمطلب الفلسطيني، مثل منح الفلسطينيين “إدارة بلدية” في الضفة الغربية، تُسوّق كـ”دولة منقوصة”.
■ مأزق القيادة السعودية
يرى التحليل أن بن سلمان يواجه معضلة ثلاثية الأبعاد:
- داخليًا: رفض شعبي واسع النطاق لأي اتفاق لا يتضمن حقوقًا حقيقية للفلسطينيين.
- إقليميًا: خطر فقدان ما تبقى من الشرعية العربية إذا تجاوز المطلب الفلسطيني.
- دوليًا: ضغوط أمريكية متصاعدة لإبرام الاتفاق كجزء من استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط.
ورغم ما نُقل عن ولي العهد سابقًا من عدم اكتراثه بالقضية الفلسطينية مقارنة بمخاوفه من إيران أو أولويات التحول الاقتصادي، إلا أن المذبحة في غزة فرضت عليه إعادة حسابات سياسية معقدة.
إذا أقدم محمد بن سلمان على توقيع اتفاق تطبيع لا يتضمن قيام دولة فلسطينية “ذات مصداقية”، فسيكون في مواجهة مباشرة مع الرأي العام السعودي، وسيتحمّل مسؤولية أخلاقية وسياسية عما تفعله إسرائيل تجاه الفلسطينيين لاحقًا. أما إذا أصرّ على إدراج الدولة الفلسطينية ضمن شروط الاتفاق، فسيصطدم برفض إسرائيلي واضح وممانعة أمريكية معتادة.
في الحالتين، يجد ولي العهد نفسه عالقًا بين ضغوط الخارج وممانعة الداخل، في وقت لم يعد فيه “الحياد السعودي” مقبولًا لا دوليًا ولا شعبيًا.