في تصريح صادم ومثير للسخرية، خرج النظام السعودي عبر الملك سلمان ليؤكد أن “رؤية 2030 جعلت بلادنا نموذجاً عالمياً للتحول”. هذا التصريح، الذي جاء في وقت تتراكم فيه دلائل الفشل والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، يكشف إلى أي مدى باتت السلطة الحاكمة في السعودية مفصولة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه المواطن السعودي تحت وطأة الضرائب، البطالة، وتبديد الثروات على مشاريع وهمية وشعارات فارغة.
النظام السعودي، ممثلاً بالملك سلمان وابنه ولي العهد محمد بن سلمان، يحاول عبر هذه التصريحات أن يغطي على حجم الكارثة الوطنية، متجاهلاً أن السنوات الماضية كانت شاهدًا حيًا على التخبط الاقتصادي، الإخفاق الإداري، والقمع السياسي غير المسبوق.
قائمة المحتوى
رؤية 2030: وهم مُعلّب سقط مع أول اختبار
حين أُطلقت رؤية 2030 قبل قرابة تسع سنوات، تم تسويقها كخطة لإخراج السعودية من عباءة النفط إلى عصر التنوع الاقتصادي. لكن الوقائع تقول شيئًا آخر: لا تزال المملكة تعتمد بنسبة تتجاوز 70% على عائدات النفط، مع فشل ذريع في تأسيس قطاعات إنتاجية مستقلة مثل الصناعة أو السياحة أو التكنولوجيا.
وفق تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأخيرة، يتراجع النمو الحقيقي، ويرتفع الدين العام السعودي بشكل مقلق، بينما تتقلص احتياطيات النقد الأجنبي بشكل مستمر منذ 2020. أين إذًا “النموذج العالمي” الذي يتحدث عنه الملك الغائب عن مشهد إدارة البلاد؟
ملك غائب.. وولي عهد منفلت في قراراته
منذ سنوات، اختفى الملك سلمان فعليًا عن المشهد، وأصبح كل شيء يُدار بقبضة ابنه محمد بن سلمان، الذي جعل من السعودية حقل تجارب لسياسات متهورة قائمة على المغامرات غير المحسوبة، سواء في السياسة الخارجية أو الاقتصاد الداخلي.
الأزمات المتلاحقة في العلاقات الخارجية، الصراعات العسكرية الفاشلة مثل حرب اليمن، المقامرات المالية في الاستحواذات الرياضية والترفيهية، جميعها أدلة على غياب إدارة رشيدة وحضور مفرط للقرار الفردي المنفصل عن واقع ومعاناة الشعب.
فشل المشاريع العملاقة: من نيوم إلى ذا لاين
مشاريع مثل “نيوم” و”ذا لاين”، التي رُوّج لها كإنجازات القرن، تحولت إلى كوابيس اقتصادية تبتلع المليارات دون عوائد حقيقية. تقارير صحفية غربية من “فايننشال تايمز” و”وول ستريت جورنال” فضحت التأجيلات، التخبطات الإدارية، والانسحابات الاستثمارية التي تعصف بهذه المشاريع.
مئات المليارات صُرفت على بناء مجسمات وهمية ومدن ذكية فوق الرمال، بينما يعيش المواطن السعودي أزمات معيشية خانقة بسبب التضخم ورفع الدعم وفرض الضرائب.
الإعلام الرسمي: آلة دعاية مكشوفة
بدلًا من الاعتراف بالفشل، يُسخّر الإعلام الرسمي لتمجيد كل قرار يصدر من الديوان الملكي، وتصوير أي افتتاح لمبنى أو توقيع مذكرة تفاهم على أنه “إنجاز تاريخي”. الشعب يرى يوميًا الفجوة تتسع بين التصريحات الرنانة والواقع القاسي، حيث تتراكم الديون على الأسر، وترتفع معدلات البطالة بين الشباب، وتتراجع مؤشرات جودة الحياة.
حتى السياحة، التي تم الترويج لها كمصدر بديل للدخل، لم تحقق أي قفزة نوعية حقيقية، بل ظلت مقتصرة على الفعاليات الاستعراضية والمواسم الترفيهية الفارغة المحتوى.
قمع داخلي.. وانهيار اجتماعي
كل من تجرأ على انتقاد الواقع الكارثي لرؤية 2030 تم الزج به في السجون، من علماء دين إلى أكاديميين وصحفيين. المنظمات الحقوقية الدولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” وثقت عشرات حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري لمن طالبوا بإصلاحات حقيقية أو كشفوا زيف الدعاية الرسمية.
المفارقة أن رؤية 2030 تحدثت عن “تمكين المرأة” و”تعزيز الحريات”، بينما تشهد المملكة أسوأ تدهور في الحريات العامة منذ عقود، ما دفع أعدادًا متزايدة من الشباب إلى الهجرة القسرية بحثًا عن أوطان تحترم حقوقهم.
اقتصاد متآكل رغم الثروات
رغم ارتفاع أسعار النفط في بعض الفترات، فشل النظام السعودي في استغلال هذه العائدات لبناء اقتصاد مستدام. بدلاً من ذلك، أُهدرت الأموال في صفقات شراء أندية رياضية أوروبية، ورعاية سباقات سيارات ومصارعة، في مشهد عبثي يذكر بممارسات الأنظمة الفاسدة التي تسقط ضحية استهتارها.
تقرير صادر عن “بلومبيرغ” هذا العام أكد أن “الاعتماد المفرط على الترفيه والاستعراضات الرياضية لم يُحدث تحولًا اقتصاديًا حقيقيًا”، محذرًا من أن المملكة مقبلة على أزمة مالية إذا استمرت في سياساتها الحالية.
رؤية 2030: سراب اقتصادي ومحاولة يائسة لإنقاذ شرعية متهالكة
الحقيقة المرة أن رؤية 2030 لم تكن إلا ستارًا لتغطية فشل الدولة في القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية. بدلًا من تنويع مصادر الدخل، تم تضخيم النفقات الاستهلاكية؛ وبدلًا من تمكين المواطن، تم إسكاته بالترهيب والسجون.
الشعارات لا تبني اقتصادًا، والمهرجانات لا تصنع تنمية، والمشاريع الفارغة لا تغني شعبًا يعاني من غلاء الأسعار والبطالة وسوء الخدمات.
من خدعة الرؤية إلى واقع الانهيار
تصريحات النظام السعودي حول نجاح رؤية 2030 لا تصمد أمام اختبار الأرقام والحقائق اليومية. الفجوة تتسع بين ما يُقال وما يُعاش، وبين الحلم المُعلن والكوابيس التي يعاني منها المواطن البسيط. غياب الملك سلمان، وهيمنة نجله على المشهد، أديا إلى إدارة رعناء تهدد مستقبل المملكة كله. وإذا لم يُراجع النظام سياساته، فإن نهاية هذا المسار العبثي ستكون مأساوية، ليس فقط لرؤية 2030، بل لمستقبل السعودية نفسها.