مرت تسع سنوات على إطلاق محمد بن سلمان لما سُمي بـ”رؤية 2030″، المشروع الذي رُوّج له كخطة إنقاذ شامل للاقتصاد والمجتمع السعودي. اليوم، لم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة: الوعود تبخّرت، والأرقام الصادمة تكشف فشلًا ممنهجًا. بدلًا من التحول إلى نموذج تنموي جديد، غرقت المملكة في ديون متصاعدة، بطالة مستمرة، اعتماد أكبر على النفط، وقمع سياسي هو الأشد في تاريخها المعاصر.
رؤية 2030 لم تكن سوى غطاء ناعم لمشروع فردي سلطوي، هدفه تثبيت حكم بن سلمان وتلميع صورته دوليًا، على حساب شعب حُرم من أبسط حقوقه، في الوقت الذي تذهب فيه المليارات إلى مشاريع عبثية واستثمارات فاشلة.
قائمة المحتوى
“الواقع يفضح الوعود: الاقتصاد لم يتنوع بل تعمّق في أزماته”
رُوّج لرؤية 2030 على أنها مشروع لتنويع الاقتصاد وفك الارتهان بالنفط، لكن البيانات الرسمية نفسها تكشف الفضيحة:
- مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي لا تزال تتجاوز 40%، بل ارتفعت في بعض السنوات.
- الإيرادات غير النفطية التي يتباهى بها النظام تأتي في معظمها من الضرائب المفروضة على المواطنين، وليس من نشاط اقتصادي إنتاجي.
- صندوق الاستثمارات العامة، المفترض أن يقود التحول الاقتصادي، غارق في الديون والرهانات الفاشلة، كما هو الحال مع مشاريع “نيوم” و”ذا لاين” وشراء الأندية الرياضية الأوروبية.
أي تنويع هذا، إذا كان كل تحرك اقتصادي مرهونًا بأوامر فوقية، وكل مشروع يعتمد على الديون والمبالغات الإعلامية بدلًا من الجدوى الاقتصادية الحقيقية؟
“بطالة، فقر، وضرائب: المواطن خارج حسابات الرؤية”
الحديث عن تحسين مستوى المعيشة تحوّل إلى كذبة صريحة.
- البطالة بين الشباب، خصوصًا النساء، لا تزال مرتفعة رغم التلاعب بالأرقام الرسمية.
- نسبة السعوديين تحت خط الفقر غير معروفة بدقة بسبب غياب الشفافية، لكن مؤشرات الغلاء والإيجارات والأجور المجمدة ترسم صورة قاتمة.
- الضرائب تضاعفت: ضريبة القيمة المضافة ارتفعت إلى 15%، والدعم الحكومي تقلّص أو أُلغي تمامًا عن عدد من السلع والخدمات الأساسية.
أين “الرخاء” الذي وُعد به المواطن؟ كيف يمكن لمواطن يعيش على راتب محدود أن يتحمّل رؤية قائمة على التسويق الخارجي والجباية الداخلية؟
“الاستدانة بدل التنمية: عندما يصبح الدين هو الرؤية”
منذ 2016، ارتفعت ديون السعودية بشكل حاد:
- الدين العام تجاوز 340 مليار دولار، حسب تقارير دولية.
- صندوق الاستثمارات وحده أصدر صكوكًا وسندات بعشرات المليارات.
- سياسة الإنفاق الترفيهي والرياضي لا تتماشى مع وضع اقتصادي هش، بل تعمّق العجز وتؤجّل الانهيار.
في المقابل، لا توجد خطط جادة للإصلاح الضريبي أو تقوية القطاع الصناعي أو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كل شيء موجّه نحو المشاريع الاستعراضية التي يديرها المقربون من السلطة.
“رؤية تسحق الحريات: أي مجتمع نريد؟”
رؤية 2030 لم تكتف بالفشل الاقتصادي، بل جاءت على أنقاض الحريات:
- عشرات الصحفيين والناشطين والاقتصاديين سُجنوا لأنهم انتقدوا أو تساءلوا عن جدوى الرؤية.
- الرقابة أصبحت خانقة، والإعلام المحلي مجرد بوق يكرر عبارات النظام الدعائية.
- الاعتقالات لا تقتصر على المعارضين، بل تطال حتى من عبّر عن قلقه الاقتصادي أو دعا للشفافية.
فأي “مجتمع حيوي” هذا الذي يُسجن فيه كل من يتكلم؟ وكيف يمكن لـ”رؤية” أن تزدهر في بيئة يسودها الخوف وتُقمع فيها العقول الحرة؟
“مشاريع نيوم والرياض الخيالية: سراب يُباع بالمليارات”
نيوم، ذا لاين، القدية، مشروع الرياض الكبرى… كلها عناوين براقة لمشاريع لم تكتمل، أو بالكاد بدأت.
مشروع نيوم وحده كلف أكثر من 500 مليار دولار حتى الآن، دون أي عائد اقتصادي واضح.
ذا لاين لا تزال مجرد رسوم متحركة تُعرض في المؤتمرات والمعارض الدولية.
آلاف العمال تعرضوا لانتهاكات في مواقع العمل، بعضهم مات دون تعويض، وفق تقارير منظمات دولية.
هذه ليست مشاريع تنمية، بل مشاريع دعاية ضخمة هدفها إبهار الغرب، حتى لو أُهدرت فيها ثروات البلاد بلا رجعة.
“السلطة الفردية تبتلع كل شيء”
جوهر أزمة رؤية 2030 ليس فقط فشلها الاقتصادي، بل كونها مشروعًا فرديًا يُدار من قصر الحاكم، بلا مؤسسات مستقلة، ولا رقابة شعبية، ولا برلمان حقيقي.
كل الأهداف المعلنة للرؤية تخضع لرغبات ولي العهد، وتتغير حسب مزاجه أو توجهاته الإعلامية. لا أحد يجرؤ على مساءلته، ولا جهة تملك صلاحية محاسبته.
وهكذا، تتحول الرؤية من “خطة وطنية” إلى لعبة شخصية، تُمارس على حساب شعب كامل.
رؤية 2030.. مشروع نرجسي فاشل يُقايض الحريات بالديون
تسع سنوات مرت، ولم يتحقق من الوعود شيء سوى تضخم القمع، تضاعف الديون، وتراكم المشاريع الوهمية.
رؤية 2030 لم تكن أبدًا خطة وطنية للإصلاح، بل كانت أداة لإعادة تشكيل النظام بما يخدم حكم الفرد الواحد، على حساب الشعب، والاقتصاد، والمستقبل.
والسؤال الذي يطرحه الواقع اليوم: كم سنة أخرى يحتاج بن سلمان ليعترف أن رؤيته ماتت، وأن المملكة تدفع ثمن أكبر خدعة في تاريخها الحديث؟