لم تحمل زيارة خالد بن سلمان إلى طهران سوى المزيد من الأدلة على أن النظام السعودي لم يعد يملك أوراق قوة حقيقية، لا في الإقليم ولا داخليًا. أن يرسل الملك سلمان رسالة إلى المرشد الإيراني خامنئي عبر وزير دفاعه، فهذا ليس تحركًا سياديًا أو استراتيجيًا كما يحاول الإعلام الرسمي ترويجه، بل فعل استجداء واضح، يعكس حجم الانهيار السياسي الذي بلغه النظام بعد سنوات من المغامرات الفاشلة، والرهانات الخاسرة.
في ظل التدهور الاقتصادي الداخلي، والضغوط الشعبية الصامتة، وفشل رؤية 2030، أصبح النظام السعودي مستعدًا لمصافحة من كان يشيطنهم بالأمس، مقابل الحصول على وعود هشة بالاستقرار.
قائمة المحتوى
خلفيات الزيارة: هل هو إدراك متأخر أم رضوخ ذليل؟
النظام السعودي الذي خاض لسنوات معارك دبلوماسية وإعلامية ضد إيران، لم يعد يجد حرجًا في التودد لطهران. الهجوم الإعلامي السابق، والتحريض المذهبي، والمواقف العدائية، ذابت فجأة أمام براغماتية بائسة هدفها تأجيل الانفجار الداخلي لا أكثر.
زيارة خالد بن سلمان لم تأتِ من موقع قوة، بل من موقف دفاعي بائس، بعدما أدرك النظام أنه محاصر إقليميًا ودوليًا.
- الحرب في اليمن كشفت عجز الرياض عن الحسم.
- علاقات السعودية مع واشنطن أصبحت رهينة صفقات التطبيع مع إسرائيل.
- فشل رؤية 2030 فضح هشاشة الاقتصاد القائم على الريع والنفط.
- الانتقادات الحقوقية الدولية تلاحق النظام رغم إنفاق المليارات على غسيل السمعة.
في ظل هذه التحديات، رأى النظام أن التقارب مع إيران قد يخفف من بعض الضغوط، ولو مؤقتًا.
رسالة سلمان لخامنئي: تطمين أم التماس؟
رغم أن مضمون الرسالة التي حملها خالد بن سلمان لم يُكشف رسميًا، إلا أن تسريب بعض تفاصيلها عبر الصحافة الإيرانية والدولية كشف جوهرها: تطمينات متكررة بأن السعودية ملتزمة بالتفاهمات، وإدراك صريح بأن التصعيد ضد إيران لم يعد يخدم مصالح الرياض، والتماس صريح لدعم الاستقرار في الخليج.
هذه الرسالة، في مضمونها، تُشبه أكثر برقية اعتذار مبطن، وليست رسالة بين ندين متساويين. النظام السعودي يعترف ضمنيًا بفشل سياسة العداء المفتوح مع طهران، ويحاول الآن ترميم العلاقة بأكبر قدر من الخضوع السياسي.
من الرياض إلى طهران: من قيادة المنطقة إلى الهامش الإقليمي
خلال العقود الماضية، حاولت السعودية دائمًا تقديم نفسها كقائدة للعالم الإسلامي والعربي. اليوم، نرى نظام بن سلمان يركض وراء طهران لالتماس الأمان، في انقلاب كامل على السياسات التقليدية.
بدلًا من مواجهة النفوذ الإيراني عبر بناء اقتصاد قوي، ومشروع سياسي مستقل، واستراتيجية تحالفات ذكية، اختار النظام الطريق السهل: التنازل، والتقرب من خصوم الأمس، وإرسال الرسائل السرية محمّلة بالوعود والتنازلات.
هكذا يتحول النظام السعودي من لاعب إقليمي إلى تابع إقليمي، دوره هامشي، وجوده مرهون برضى طهران وواشنطن معًا.
تجاهل غزة: قمة الانتهازية السياسية
زيارة خالد بن سلمان لطهران جاءت بينما كانت غزة تتعرض لمجازر وحشية على يد الاحتلال الإسرائيلي، وبدل أن تكون الزيارة فرصة للضغط معًا لصالح الفلسطينيين، اقتصرت المحادثات على تبادل الابتسامات الدبلوماسية وترتيب المصالح الثنائية.
- لا حديث عن دعم المقاومة.
- لا مطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي.
- لا تحرك سعودي-إيراني موحد للدفاع عن الفلسطينيين.
القضية الفلسطينية، التي لطالما استُغلت كشعار فارغ في الخطاب السعودي، أصبحت اليوم مجرد بند مُهمل، لا قيمة له أمام أولويات النظام الجديدة: تثبيت الحكم، وشراء رضا الخصوم، بأي ثمن.
إيران الرابح الأكبر.. والسعودية تدفع الثمن
زيارة وزير الدفاع السعودي لطهران منحت إيران مكسبًا سياسيًا ضخمًا: مشهد اعتراف علني بمكانة إيران الإقليمية، وحاجة السعودية إليها لضمان الاستقرار.
بينما تحصد طهران الاعترافات، يستمر النظام السعودي في خسارة أوراقه واحدة تلو الأخرى:
- فقدان الثقة الإقليمية به كلاعب مستقل.
- تراجع الدعم الشعبي الداخلي مع تصاعد الغلاء والبطالة.
- انكشاف سياسة التبعية للقرارات الخارجية.
والأسوأ أن النظام، بدلًا من بناء شراكات استراتيجية متوازنة، يواصل سياسة الرهانات الخاسرة على أعداء الأمس.
زيارة بطعم الهزيمة: حين يتحول الدفاع إلى استسلام
حين يرسل الملك وزير دفاعه شخصيًا برسالة إلى خامنئي، فالأمر لم يعد مجرد تحرك دبلوماسي روتيني. الدفاع الوطني الذي كان يُفترض أن يحمي سيادة الدولة، تحوّل إلى أداة سياسية لتثبيت النظام بأي ثمن، حتى لو كان عبر التوسل لإيران.
هذه الزيارة تعكس بوضوح معادلة بن سلمان: البقاء في السلطة مقابل أي شيء، حتى لو كلف الأمر دفن كل المبادئ السابقة تحت أقدام المصالح الوقتية.
النظام السعودي يوزع رسائل الطاعة: من واشنطن إلى طهران.. والمملكة في مهب الريح
خالد بن سلمان لم يحمل إلى طهران رسالة قوة، بل شهادة إفلاس سياسي. النظام السعودي لم يعد يمتلك مشروعًا وطنيًا، بل مشروع بقاء هش يقوم على التوسل لكل من يستطيع أن يؤجل السقوط القادم.
من التطبيع مع إسرائيل إلى التودد لإيران، يتحرك النظام بلا بوصلة، بلا مبادئ، وبلا رؤية، في وقت تتساقط فيه أوراقه واحدة تلو الأخرى أمام أنظار شعب منهك، صامت حتى إشعار آخر.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: كم رسالة أخرى يجب أن يرسلها النظام إلى خصومه، قبل أن يكتشف أن الخضوع لن ينقذه من مصيره المحتوم؟