السعودية تضغط لحماية مصالحها وتصمت على مذابح غزة: دماء الأطفال ليست أولوية للنظام

السعودية تضغط لحماية مصالحها وتصمت على مذابح غزة: دماء الأطفال ليست أولوية للنظام

لم تعد الازدواجية في مواقف النظام السعودي تحتاج إلى تفسير أو تحليل معقد؛ كل تصرف وكل تصريح يكشف أن تحركات الرياض محكومة فقط بمصالح النظام الضيقة، حتى لو كان الثمن دماء الأبرياء. خبر نشره موقع “ميدل إيست آي” مؤخراً أزاح الغطاء عن واحدة من أكثر صور الانتهازية السياسية وقاحة، حين ضغطت السعودية على الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب لوقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين قبل زيارته إلى الرياض ، محذرة من أن استمرار القصف سيخلق “موقفاً محرجاً” للمملكة والولايات المتحدة.

ليس الحرج ناتجاً عن حجم المأساة الإنسانية في اليمن، ولا عن سقوط الضحايا المدنيين، بل عن الخوف من أن تتلطخ الصورة المزيفة التي حاول النظام السعودي صناعتها أمام العالم. هنا تتكشف المعادلة الحقيقية: الضغط السياسي يُمارس فقط عندما تهدد المصلحة الدعائية للرياض، أما الدماء المسفوكة خارج هذا الإطار فلا تساوي شيئاً عند حكام المملكة.

الضغط لحماية السمعة.. والصمت أمام مذابح غزة

هذا السلوك الانتهازي يصبح أكثر وضوحاً وفجاجة عندما يُقارن بالموقف السعودي مما يحدث في غزة. في الوقت الذي كانت فيه طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقتل الأطفال والنساء، وتدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتغلق كل أبواب الحياة أمام أكثر من مليوني إنسان محاصر، اكتفى النظام السعودي بصمت مشين، لم يتجاوز إصدار بيانات دبلوماسية باهتة، لم تحمل أي إدانة حقيقية أو إجراءات عملية.

لا ضغوط مورست على واشنطن، ولا تحركات فعلية في الأمم المتحدة، ولا حتى قطع علاقات رمزية مع تل أبيب. الرياض، التي تعرف كيف تستخدم أوراقها السياسية حين يتعلق الأمر بصورتها أمام الصحافة الغربية، التزمت صمت القبور أمام مذابح غزة، في خيانة صريحة لتاريخها المزعوم كقائدة للعالمين العربي والإسلامي.

متى تضغط السعودية ولماذا؟

التقرير يكشف قاعدة أساسية في سياسة النظام السعودي: الضغط السياسي لا يُمارس إلا دفاعًا عن مصالح آنية، تتعلق أساساً بحفظ الصورة الإعلامية للنظام أو حماية نفوذه الإقليمي، أما القيم والمبادئ والشعارات التي ترفع حين يكون الحديث عن فلسطين أو القضايا العربية، فلا وزن لها عند اتخاذ القرارات الفعلية.

حين رأت الرياض أن استمرار القصف الأمريكي على الحوثيين قد يحرجها أثناء استقبال ترامب، تدخلت بسرعة، واستطاعت بالفعل أن توقف العمليات مؤقتاً. رسالة واضحة للعالم كله: النظام يمتلك القدرة على التأثير حين يريد، لكنه يختار الصمت والتخاذل حين لا يرى في القضايا المطروحة ما يخدم بقاءه أو يعزز صورته.

لهذا السبب، لم تتحرك السعودية لإيقاف المجازر في غزة. لم ترَ في دماء الأطفال مصلحة مباشرة. لم تخشَ “موقفًا محرجًا” أمام ضمائر شعوب العالم، لأنها ببساطة لم تعد تكترث إلا لمصلحتها في صفقة تطبيع قادمة أو شراكة تجارية محتملة.

سياسة الكيل بمكيالين: معيار المصلحة لا الأخلاق

السلوك السعودي يعكس سياسة ثابتة: الكيل بمكيالين في كل القضايا الإقليمية والدولية.

عندما يكون الأمر مرتبطًا بحماية النظام من الإحراج أو الخسائر السياسية، يتم استخدام كل وسائل الضغط المتاحة: من التهديد السياسي إلى الضغوط الاقتصادية والتنسيق الاستخباراتي. لكن عندما يتعلق الأمر بدماء الفلسطينيين أو مأساة اليمنيين أو معاناة الشعوب العربية الأخرى، يصبح النظام صامتًا، متفرجًا، وربما مشاركًا أحيانًا في الحصار والتجويع.

بهذه السياسة، يفقد النظام السعودي كل مبررات الحديث عن دوره القيادي أو مسؤوليته تجاه قضايا الأمة. يتحول إلى تاجر سياسي، يزن القضايا بميزان المصالح اللحظية، ويخون الشعارات التي يرفعها في الخطب الرسمية والمؤتمرات الدولية.

النتيجة: قيادة فقدت كل مصداقية

كل تحرك سياسي سعودي اليوم يُقرأ عبر هذا المنظور: أين تكمن مصلحة النظام؟ ما مدى تأثير هذا الحدث على صورته الدولية؟ هل يهدد هذا الحدث ترتيب صفقة سلاح أو صفقة تطبيع؟

لم تعد الرياض قادرة على إقناع أحد بأنها تتحرك وفق مبادئ أو قيم. ولم تعد قادرة على ادعاء الدفاع عن الفلسطينيين بينما تمد يدها للصهاينة. ولم تعد قادرة على الزعم بأنها “حامية الإسلام” بينما تخون كل قيمة إنسانية عبر صمتها المخجل على مذابح الأطفال.

النتيجة الطبيعية لهذا الانحدار الأخلاقي أن النظام السعودي فقد المصداقية أمام الشعوب العربية، حتى لو استطاع شراء ولاءات حكومات غربية أو أنظمة تابعة.

ضغط لحماية الكراسي وخيانة لقضايا الشعوب

التاريخ لا ينسى، والشعوب لا تغفر. النظام السعودي كشف عن نفسه حين استخدم نفوذه السياسي لوقف ضربات تهدد صورته، بينما لم يحرك ساكنًا لوقف إبادة المدنيين في غزة. موقف لا يليق بدولة تزعم قيادة العالم الإسلامي، بل يليق بنظام تاجر بمبادئه ودفن كل شعاراته تحت أنقاض المصالح الضيقة. المستقبل سيحاكم كل من خان دماء الأطفال واختار الصمت في وجه الجريمة.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً