في مشهد يثير الغضب أكثر مما يثير الدهشة، تواصل السلطات السعودية ضخ مليارات الدولارات في مشاريع ترفيهية ورياضية عبثية، رغم الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمملكة، وتآكل دخل المواطن العادي، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في دوري “ليف غولف” وحده تقترب الآن من حاجز الـ5 مليارات دولار، في صورة صارخة من التبذير المتعمد للثروة الوطنية، دون مراعاة لحجم العجز المالي المتفاقم أو معاناة السعوديين الذين يرزحون تحت وطأة سياسات التقشف والضرائب الثقيلة.
هذا السلوك المتهور لا يعكس إلا انفصالًا تامًا للنظام عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي، واستمرارًا لسياسة الإنفاق الدعائي على حساب مستقبل الأجيال القادمة.
قائمة المحتوى
أرقام مذهلة… وسقوط مروع للمنطق الاقتصادي
بحسب البيانات الأخيرة، رفع ياسر الرميان، المسؤول المباشر عن صندوق الاستثمارات العامة، رأس المال المصرح به لدوري ليف غولف مرتين خلال عام 2025: الأولى بمقدار 330 مليون دولار في يناير، والثانية بـ344.3 مليون دولار في أبريل. ليصل إجمالي رأس المال إلى 4.58 مليار دولار، بزيادة قدرها 1.9 مليار دولار منذ يناير 2024.
وفي سياق الإنفاق العبثي ذاته، كشفت تقارير رياضية مثل EsentiallySports أن صفقة محتملة بدفع 150 مليون دولار للملاكم كانيلو ألفاريز لخوض نزال ضد الملاكم ترنس كروفورد أصبحت تقترب من أن تكون حقيقة. مبلغ فلكي آخر يُنفق ببساطة لإقامة ليلة ملاكمة واحدة، في وقت يعاني فيه المواطن من تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وتآكل الأجور أمام غلاء المعيشة.
أي منطق اقتصادي يمكن أن يبرر ضخ هذه المليارات في مشاريع لا تمت بصلة للاقتصاد الحقيقي؟ وأي مسؤولية وطنية تسمح بأن تُلقى ثروات الشعب على موائد ترفيهية لا تخدم إلا شهوة النظام للظهور الإعلامي؟
التناقض السافر بين الإنفاق الاستعراضي والأزمة المعيشية
الوضع الاقتصادي في السعودية اليوم لا يحتاج إلى تقارير معقدة لفهمه: العجز المالي في تصاعد مستمر، الدين العام ينمو بوتيرة غير مسبوقة، البطالة بين الشباب تصل إلى مستويات مقلقة، ومعدل التضخم يرهق الأسر السعودية يوميًا.
ورغم كل هذه المؤشرات السلبية، يواصل النظام إنفاقه السفيه على مشاريع دعائية فاخرة، من شراء أندية كرة القدم الأوروبية إلى تمويل بطولات الغولف ونزالات الملاكمة. وكأن الأزمة الاقتصادية لا تعني شيئًا للنخبة الحاكمة التي تعيش في عالمها الخاص المنفصل تمامًا عن معاناة المواطنين.
بينما يحرم المواطن من أبسط حقوقه في السكن اللائق، والتعليم الجيد، والرعاية الصحية المتقدمة، تنفق المملكة المليارات على استقدام الرياضيين الأجانب وتلميع صورة النظام.
صندوق الاستثمارات العامة: أداة لخدمة الطموحات الشخصية
من المفترض أن يكون صندوق الاستثمارات العامة مؤسسة سيادية تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط. لكن الواقع أن الصندوق أصبح أداة شخصية لولي العهد، يتم استخدامه في تمويل الهوس بالاستعراض الرياضي والإعلامي، بدلًا من الاستثمار في مشاريع إنتاجية حقيقية تفيد المواطن.
مشروع “ليف غولف” وصفقة الملاكمة الضخمة مع ألفاريز وكروفورد ليست سوى أمثلة حديثة لسياسة إنفاق متهورة، تقود المملكة إلى مزيد من الاستدانة وتفخيخ مستقبلها الاقتصادي.
مواطن يُرهَق… ونظام يبعثر الثروة
وسط هذه المحرقة الاقتصادية، يجد المواطن السعودي نفسه محاصرًا بالضرائب الباهظة، ورسوم الخدمات المتزايدة، وتراجع الدعم الحكومي، بينما يتم تسويق أكذوبة “الإصلاح الاقتصادي” كل يوم عبر الإعلام الرسمي.
الحديث عن التنمية المستدامة وتنويع الاقتصاد يتحول إلى مهزلة عندما يرى المواطن أن أمواله تصرف ببذخ على نجوم الملاكمة والغولف، بينما تعجز الدولة عن إنشاء مشاريع حقيقية توفر له أبسط حقوقه الأساسية.
الرسالة الحقيقية: المواطن آخر اهتمامات النظام
ما تعكسه استثمارات ليف غولف وغيرها من المغامرات الرياضية هو أن النظام السعودي لا يرى في شعبه أكثر من جمهور صامت، عليه أن يتحمل تبعات السياسات الفاشلة دون أن يسأل أين ذهبت ثرواته.
كل دولار يُنفق على هذه المشاريع الفارغة يعني حرمانًا إضافيًا للمواطن من حقه في التنمية الحقيقية. وكل صفقة رياضية استعراضية تعني مزيدًا من الغرق في مستنقع الديون، ومزيدًا من الابتعاد عن تحقيق الأمان الاقتصادي والاجتماعي للأجيال القادمة.
حين تصبح الرياضة غطاء لفشل اقتصادي مدوٍ
استثمار قرابة 5 مليارات دولار في لعبة غولف نخبوية، وصفقة ملاكمة بـ150 مليون دولار، في وقت يعيش فيه الاقتصاد السعودي على وقع الأزمات والضغوط المعيشية، ليس إلا إعلانًا فاضحًا عن الأولويات الحقيقية للنظام: شراء صورة، لا بناء وطن.
لا الإصلاح يتحقق، ولا الاقتصاد يتنوع، ولا الشعب يستفيد، بينما تواصل النخب الحاكمة غرقها في بحر من الترف والاستهتار.
والسؤال الذي لا بد أن يطرحه كل سعودي اليوم: إلى متى يستمر العبث بمقدرات الأمة؟ ومتى يتحول الغضب الصامت إلى محاسبة حقيقية لمن باعوا الثروة الوطنية في أسواق الغولف والحفلات والملاكمة؟