لم تعد الأكاذيب الرسمية تجد من يصدقها، حتى بين من يُجبرون على ترديدها. الزعم بأن السعودية أنجزت 93% من مستهدفات “رؤية 2030” السنوية ليس أكثر من قفزة يائسة فوق هاوية الفشل المتسع. بينما تترنح الميزانية تحت ضغط العجز، ويتواصل تراجع الإيرادات النفطية، وتنهار القطاعات الاقتصادية الحقيقية، يصر النظام السعودي على إطلاق تصريحات انتصارية هزلية، كأن معاناة الشعب تتبخر حين يعلن الوزراء أرقامًا مضخمة فارغة من أي مضمون.
بعيدًا عن البيانات المزيفة والمؤتمرات الباذخة، تعيش المملكة واقعًا اقتصاديًا واجتماعيًا قاتمًا لا تخطئه عين: بطالة مستعصية، ضرائب متزايدة، خدمات حكومية متردية، واعتماد متفاقم على النفط، رغم مليارات الدولارات التي ابتلعها مشروع “رؤية 2030” الذي تحول إلى سراب مكلف يدفع ثمنه المواطن وحده.
قائمة المحتوى
الإنجازات المزعومة: غطاء هش لفشل لا يمكن إخفاؤه
لا يحتاج الأمر إلى تقارير معقدة لفهم الحقيقة. كل زيارة إلى الشارع السعودي تكفي لتدمير خرافة الـ 93٪. إذا كانت الرؤية قد حققت هذا الإنجاز الأسطوري كما يزعم النظام، فلماذا لا تزال السعودية تعتمد بنسبة ساحقة على النفط لتمويل ميزانيتها؟ ولماذا يستمر تآكل القوة الشرائية للمواطن، مع ارتفاع الضرائب والأسعار والخدمات الحكومية المنهكة؟
تزعم الحكومة أن مؤشرات التنمية الاقتصادية تسير على الطريق الصحيح، بينما يواصل الاقتصاد الحقيقي الانكماش تحت وطأة مشاريع عقيمة لا تتجاوز كونها أدوات دعاية. التوظيف الذي تروج له الأرقام الرسمية يتم عبر وظائف مؤقتة أو حكومية لا تضيف شيئًا إلى الناتج المحلي الحقيقي. القطاعات غير النفطية التي كان يفترض أن تقود الاقتصاد الجديد لا تزال عاجزة عن الاستقلال أو حتى البقاء دون دعم حكومي مكثف.
الهوة بين الخطاب والواقع تتسع إلى حد الفضيحة
رغم التصريحات المتكررة عن ازدهار الاستثمارات الأجنبية وزيادة النشاط السياحي، تكشف الحقائق العارية انهيار هذه القطاعات أو تراجعها إلى مستويات مخزية. المستثمرون يهربون في صمت بسبب قمع القضاء، وغياب الشفافية، وبيئة الأعمال التي تخضع لأهواء السلطة وليس لقوانين مستقرة.
أما المشاريع العملاقة مثل نيوم، التي ابتلعت مليارات الدولارات، فلا تزال بلا عوائد حقيقية، ولا تتعدى كونها إعلانات دعائية تعرض في المؤتمرات الدولية لتلميع صورة نظام مهتز يبحث عن أي مظهر للنجاح مهما كان زائفًا.
وفي ظل كل هذا الانهيار، يواصل النظام ضخ أرقام خيالية عن “تحقيق المؤشرات”، وكأن الإنجاز الحقيقي يُقاس بعدد اللوحات الترويجية التي تُنصب في الشوارع وليس بتحسن حقيقي في حياة المواطنين.
خطاب الحكومة: صفاقة سياسية مغلفة بلغة تسويق مبتذلة
طريقة إعلان النظام السعودي عن هذه النسبة الصادمة تكشف عن انفصال كامل عن الواقع. لا اعتراف بالأخطاء، لا مراجعة جادة للسياسات الفاشلة، بل تباهٍ أجوف بإنجازات وهمية، في تجاهل كامل للمعاناة اليومية للناس الذين سحقهم التقشف والضرائب وارتفاع كلفة الحياة.
النظام لا يرى في الرؤية مشروعًا وطنيًا حقيقيًا، بل يعتبرها حملة دعاية عالمية هدفها تسويق محمد بن سلمان كقائد حداثي جديد، حتى لو كان ذلك على أنقاض حياة الملايين.
في هذا السياق، يصبح التلاعب بالأرقام ليس فقط إهانة لذكاء السعوديين، بل خيانة صريحة لمصالحهم ولطموحاتهم التي استُغلت في حملات الترويج الرنانة.
رؤية بدون شعب، ومشاريع بدون اقتصاد
ما يسمى “رؤية 2030” تحولت إلى مشروع شخصي منفصل عن الشعب، منفصل عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي. يتم إطلاق المشاريع الترفيهية العملاقة لخلق وهج إعلامي فارغ، بينما تهمل المدارس والمستشفيات والبنية التحتية الأساسية.
يتم استقدام الفنانين والرياضيين من كل أنحاء العالم بعقود فلكية، بينما يتكدس خريجو الجامعات في طوابير البطالة. يتم الحديث عن “تحسين جودة الحياة”، بينما يئن المواطنون تحت عبء الديون الشخصية والغلاء الفاحش.
ببساطة، الرؤية لا تخدم الشعب، بل تخدم الدعاية السياسية، وتغذي الطموحات الشخصية للحاكم الذي يبحث عن دور عالمي بأي ثمن، ولو كان الثمن تدمير فرص المستقبل للأجيال القادمة.
بين الأكاذيب والانهيار.. إلى أين يتجه النظام؟
تصريحات النظام السعودي حول إنجاز 93٪ من مؤشرات “رؤية 2030” ليست مجرد مبالغة، بل محاولة يائسة لتزييف وعي الناس، في مواجهة واقع اقتصادي لا يرحم.
الحقائق واضحة لكل من يريد أن يرى: اقتصاد مرتهن للنفط، شعب مرهق من التقشف، ورؤية فاشلة تُباع للمجتمع كل عام بأغلفة جديدة وأكاذيب أكثر سماجة.
والسؤال الأكبر الذي يجب أن يُطرح اليوم بلا تردد: كم نسبة نجاح أخرى سيختلقها النظام قبل أن يعترف أن الرؤية ماتت قبل أن تولد، وأن الكارثة الاقتصادية المقبلة لن تستطيع أي دعاية، مهما كانت فجة، أن تخفيها عن شعب بدأ يفيق من غيبوبته المفروضة؟