تحالف الابتزاز والتمكين: كيف باع بن سلمان كرامة المملكة ليشتري دعم ترامب؟

تحالف الابتزاز والتمكين: كيف باع بن سلمان كرامة المملكة ليشتري دعم ترامب؟

لم يصعد محمد بن سلمان إلى ولاية العهد اعتمادًا على الكفاءة أو الدعم الشعبي أو المؤسسات، بل بفعل تحالفات دولية مُخجلة، أبرزها تحالفه المكشوف مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استخدمه كورقة ضغط واستغلال سياسي واقتصادي مكّنته من تثبيت أركان حكمه داخل المملكة. لم يكن هذا التحالف شراكة متكافئة، بل علاقة غير أخلاقية قائمة على المال السعودي وغطاء أمريكي سياسي، انتهت إلى جعل السعودية أشبه بملحق إداري للبيت الأبيض، تُنفذ ولا تناقش، وتدفع دون أن تسأل.

البداية: شاب مغمور يُقايض السلطة بالولاء لواشنطن

عندما تولى ترامب الحكم في يناير 2017، لم يكن محمد بن سلمان آنذاك سوى نائب ولي العهد. لكنه سرعان ما أدرك أن بوابة التمكين تمر عبر البيت الأبيض، لا عبر توافق داخل الأسرة المالكة أو دعم شعبي. بدأ التحرك بسرعة: زيارات لواشنطن، تفاهمات اقتصادية، وصفقات ضخمة تهدف بالدرجة الأولى إلى شراء الرضا الأمريكي.

في مايو 2017، كانت القمة الأمريكية-العربية في الرياض لحظة فارقة. لم تكن فقط استعراضًا للتحالف، بل إعلانًا صريحًا أن محمد بن سلمان قرر أن يربط مصيره السياسي بشخص ترامب، حتى لو كلفه ذلك التخلي عن كل مبدأ سيادي أو أخلاقي.

صفقات المليارات: السلطة بثمن النفط

محمد بن سلمان وقّع خلال زيارة ترامب للرياض صفقات بأكثر من 450 مليار دولار، بينها 110 مليارات لشراء أسلحة. لم يكن الهدف الحقيقي هو تحديث الجيش أو دعم الاقتصاد، بل توجيه رسالة مفادها: “أنا الرجل الذي يستطيع أن يدفع، فادعموني”.

ترامب لم يُخفِ ذلك. قال علنًا إن السعودية “دفعت لنا المليارات وسنحميهم”، ووصف المملكة بالبقرة الحلوب التي يجب حلبها ثم ذبحها عندما ينتهي الحليب. ورغم هذا الاحتقار العلني، واصل بن سلمان طريق التبعية، لأنه كان يرى في ترامب الحصن الذي يمنحه “ورقة التزكية” في البيت الأبيض.

قضية خاشقجي: لحظة الحقيقة التي كشفت المستور

في أكتوبر 2018، قُتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية السعودية في إسطنبول في جريمة صادمة هزّت الرأي العام العالمي. كل الأدلة، بما فيها تقارير CIA، أشارت إلى مسؤولية مباشرة لمحمد بن سلمان. لكن ما الذي حدث؟ هل حوسب؟ هل تخلت عنه واشنطن؟ العكس تمامًا.

ترامب دافع عنه بشراسة، وقال صراحة إنه “لن يُضحّي بحليف استراتيجي من أجل صحفي”. ورفض فرض أي عقوبات على ابن سلمان، رغم ضغط الكونغرس والمنظمات الدولية، لأن “السعودية تشتري الأسلحة وتضخ المليارات”.

بهذا الدعم، استطاع ابن سلمان تجاوز أكبر أزمة تهدد حكمه، واستمر في الداخل بقمعه، وفي الخارج بنفاقه الدبلوماسي. لم تكن تلك مجرد حماية، بل ترخيصًا دوليًا بالبطش.

القمع الداخلي: الحماية الأمريكية لتكميم الأفواه

بدعم ترامب، صعّد محمد بن سلمان من سياساته القمعية. اعتقالات بالجملة، أحكام إعدام، سجن للعلماء والناشطين، وحتى النساء اللواتي طالَبن بحقوق كانت الرياض تتظاهر أنها تمنحها.

من لجين الهذلول إلى سلمان العودة، ومن نورة القحطاني إلى المعتقلين بسبب تغريدة، لم ينجُ أحد من سطوة النظام، وكل ذلك جرى وسط صمت أمريكي مطبق، لأن “التحول الاقتصادي” كان الأهم، وصفقات السلاح كانت تُبرم بصمت.

البيت الأبيض في عهد ترامب كان يعرف كل شيء، ويغض الطرف، بل ويكافئ. العلاقة لم تكن تحالفًا سياسيًا، بل مقايضة كاملة: السلطة مقابل القمع، والاستثمار مقابل الشرعية.

التطبيع: ورقة ترامب لتسويق ابن سلمان إقليميًا

رغم عدم إعلانه رسميًا، كان واضحًا أن ابن سلمان يسير في طريق التطبيع الكامل مع إسرائيل، مدعومًا من ترامب. صفقة القرن التي تبناها ترامب لم تكن لتخرج دون دعم سعودي، ومشروع “نيوم” نفسه شُيّد ليكون منصة تطبيع اقتصادية بين الخليج وتل أبيب.

ترامب حاول مرارًا إقناع السعودية بإعلان التطبيع قبل الانتخابات، ليقدّم الإنجاز لشعبه. وبن سلمان، رغم تردده التكتيكي، لم يُخفِ انفتاحه على الفكرة، وأظهر تساهلًا ملحوظًا تجاه تل أبيب، باعتبارها شريكًا لا خصمًا، في خيانة مباشرة للقضية الفلسطينية.

بن سلمان حاكم بسلطة أجنبية وغلاف محلي

تحالف محمد بن سلمان مع ترامب لم يكن سوى صفقة خاسرة للدولة، رابحة للحاكم الفرد. فقد باع السيادة مقابل البقاء، وبدد الثروات مقابل الحماية، واغتال كل صوت معارض بحصانة منحها إياه البيت الأبيض.

إن كان ترامب قد استخدم السعودية كبقرة تُحلب، فإن محمد بن سلمان استخدم ترامب كدرع شخصي لحماية عرشه. هذه العلاقة القائمة على المصالح الملوثة كشفت أن الحكم في السعودية لا يُبنى على دستور أو قانون، بل على من يدفع أكثر، ويصمت أكثر، ويخدع شعبه أكثر.

وما دام الحكم يُشترى من الخارج، فلا عجب أن يُباع الداخل بلا ثمن.

شارك المقالFacebookXEmailWhatsAppLinkedIn
اترك تعليقاً