خلال الفترات التي ظهر فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مسرح الحكم في المملكة السعودية، راح يغازل الشعب والرأي العام بفكرة تنويع الاقتصاد بدلا من الاعتماد الكامل على النفط، لكنه ولخبرته المعدومة لم يدرك أن هناك تحديات كبرى تحتاج إلى طول تفكير ووضع إستراتيجيات تعالج تلك التحديات، بدلا من إهدار الأموال من دون فائدة، ثم إظهار الاندهاش عند الفشل المحتوم.
التحديات التي تواجه فكرة تنويع الاقتصاد السعودي عديدة لعل أهمها ما يلي:
ضعف بيئة الأعمال
تعد بيئة الأعمال الضعيفة في أسواق المملكة السعودية أبرز الأسباب التي تقف خلف التدفقات المنخفضة من الاستثمار الأجنبي المباشر، لأن بيئة الأعمال في المملكة تفتقد إلى وجود الأطر القانونية الحاكمة التي تحدد ملامح وشروط عمل الشركات الأجنبية، لذلك فإن من عادة الحكومة السعودية أن تدخل التعديلات التي تريدها على سياسات العمل على أساس من العشوائية بشكل مفاجيء ودون مراجعة أو دراسة، منفذة لرؤى ولي العهد لا لسياسات بيئة العمل، وقد تشمل هذه التعديلات الحدّ من تراخيص العمل أو الحدّ من تحويل الأموال إلى الخارج بسبب قطع العلاقات مع بعض الدول، الأمر الذي يزيد الخطر على الشركات العاملة والراغبة في الاستثمار.
فشل تطوير القطاعات غير النفطية
خمس سنوات مرت على إطلاق رؤية 2030، لكنها وحتى الآن لا تعتمد كل مشروعاتها إلا على عوائد النفط، بسبب عدم دخول المستثمرين إلى أسواق المملكة، وضعف رغبتهم في العمل ضمن رؤية بن سلمان، حيث لم تتخذ المملكة حتى الآن إجراءات حقيقية لتحقيق الهدف الأعلى للرؤية، وهو تنويع الاقتصاد السعودي، وتتمثل أهم تلك الإجراءات في بناء قطاعات مستقلّة عن النفط والغاز، وهو ما يؤكد فشل المنظومة الاقتصادية للرؤية، والتي يظهر تأثرها وتأخرها كلما انخفضت عوائد النفط والغاز، ما يعني فشل المملكة في تمكين قطاع خاص يعمل على الإنتاج والتصدير ولا يعتمد على النفط والغاز.
عشوائية الإصلاح
لاستحداث نظام اقتصادي جديد ومتنوع يجب على الدول الانطلاق من احتياجات الواقع المعاش، لكن واقع الإصلاحات في المملكة يوضح فوضوية الخطط الموضوعة، التي تعكس تفضيلات واضعي الخطط لا سياسات العمل الجاد، وغياب التركيز على القوة التنافسية لدى الدولة، لذلك لم تظهر أي نتائج نجاح ملموسة لكافة مشروعات بن سلمان، حيث لم يعمل إلا على مسارين بعيدين عن هدف رؤيته، أولهما الإصلاحات المجتمعية من وجه نظره، ثانيهما الإسراف في إنشاءات المشروعات الترفيهية التي لا يقوم عليها اقتصاد الدول، متجاهلا الإنتاج والتصدير والمنافسة الحقيقية مع الدول الكبرى، أو حتى الاكتفاء مما تستورده أسواق المملكة، ما يعني خلل الخطط وانحرافها بوصلتها عن الهدف الرئيس.
شيخوخة القطاع العام وجمود القطاع الخاص
أغلب المواطنين في المملكة السعودية طموحهم الوصول إلى العمل في القطاع العام أو الاستفادة منه، وهو ما يضعف القطاع الخاص ويزيد من أزماته في أسواق المملكة، لكن الدول الراغبة في تنويع اقتصادها هي التي تعمل بشكل أساسي على تحقيق التعاون والتكامل بين القطاع العام والخاص.
والنظام الخاص في السعودية يعاني من مشكلات جوهرية تحتاج سنوات لحلها، أهم تلك المشكلات تتمثل في غياب التنظيم المؤسسي وخضوعه لنظام المحسوبيات والمعارف والوساطة، الأمر الذي يضعف شركات قد تكون قادرة على تحقيق الإنجازات، ويقوي شركات ضعيفة لمجرد امتلاكها قائمة من المعارف وتقديم التسهيلات التي تمكنها من الحصول على عقود ومناقصات كبرى، وهو الأمر الذي يظهر جليا بعد إنهاء أعمال تلك المناقصات وتفاقم المشكلات الناتجة عن سوء العمل وتقديم الخدمات.
كما أن القطاع الخاص في المملكة اعتمد وبشكل أساسي على الإعانات التي تقدمها له الدولة، حتى بات لا يستغني عنها، ولا يستطيع الصمود في وجه الأزمات، ولا يملك السياسات التي يستطيع من خلالها أن يقوى وينمو.
ويبقى السؤال: هل يراجع بن سلمان خططه أم يمضي بلا خبرة في طريق الفشل وإهدار ثروات الشعب؟