أحد أهم الإصلاحات التي كان من المفترض أن يجريها بن سلمان، هي تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعاني طبقات المجتمع في المملكة من الافتقار إليها، ومع كل وعوده بمستقبل أفضل، لم يحقق الأمير أي عدالة اجتماعية، بل على العكس، يسعى جاهداً لإتمام مشروعاً، قائم بأكمله على هدم العدالة الاجتماعية، والتفرقة العنصرية والاضطهاد الطبقي، وهو مشروع مدينة نيوم.
الجميع يعلم أن مشروع مدينة نيوم “العملاقة” -كما يحب أن يقول عنها النظام- هو أبرز وأهم مشاريع رؤية 2030 الخاصة بولي العهد محمد بن سلمان والذي يسعى من خلالها أن يجري إصلاحات جذرية -على حد قوله- في جميع المجالات في المملكة، ويعلم الجميع أيضاً أن الخطوات التي اتخذها الأمير الشاب لتحقيق رؤيته الإصلاحية وخاصة في مشروع المدينة كانت في حد ذاتها خطوات تخريبية ستؤول بالمملكة في نهاية المطاف إلى الدمار الشامل.
بداية القصيدة كفر
مع بدء الإعلان عن “نيوم”، ظهرت مشكلة جذرية لم يستطع النظام السعودي حلها أو التعامل معها بحكمة حتى الآن، حيث من المقرر إقامة جزء من المدينة على أراض في منطقة “الخريبات” في تبوك، وهي منطقة يقطنها أبناء قبيلة الحويطات، وكي تم الانتهاء من المشروع يجب أن تقوم القبيلة بإخلاء المدينة، أي يجب أن يغادروا منازلهم وأراضيهم وأراض أجدادهم، وبدلاً من أن يسعى النظام لاحتواء أبناء شعبه، أعد العدة لتشريدهم من موطنهم، حتى قتل أحدهم، وقام باعتقال العشرات، واختطاف آخرين. ضمن حملات ترهيب لم تتوقف منذ قرابة العام.
لم يكتف النظام بحملاته الوحشية للنيل من أبناء الحويطات لاعتراضهم على تهجيرهم قسرياً، بل سعى وبكل تبجح، وبمنتهى الأنانية إلى مواصلة بناء المدينة، وفي الوقت الذي يحارب فيه شعب الحويطات الصغير من أجل البقاء، وتعالت صيحاتهم طالبين النجدة من كبار المسؤولين بالمملكة وعلى رأسهم بن سلمان نفسه، جاءهم الرد واضحاً لا يحتاج إلى تأويل: التجاهل سيد الموقف.
ومتجاهلاً حيرة أفراد الحويطات وتفكيرهم في مصيرهم بعد التشريد والتهجير، قام الأمير الشاب بنقل اليخت الخاص به إلى شواطئ نيوم، في خطوة استفزازية جداً لمشاعر الشعب الكادح عاماً، وشعب الحويطات خاصة، كأنه يقول لهم: آلامكم لا مكان لها سوى عرض الحائط.
اليخت المُشار إليه تم شراؤه من رجل الأعمال الروسي يوري شيفلر، صيف 2014، أثناء قضاء بن سلمان عطلته الصيفية في فرنسا، وقد بلغت قيمته 550 مليون دولار، ويأتي في المركز الـ 15 بين أكبر يخوت الأثرياء في العالم، حيث يوجد به مهبطاً للطائرات ومنتجع مجهز تجهيزاً كاملاً وأحواض سباحة وغرفة تحت الماء.
بالطبع أثار اليخت سخط الكثيرين، وتسبب في موجة انتقادات لاذعة لابن الملك المدلل متهمين إياه بالسفه، إلا أن الأخير قابل تلك الموجة بردود أكثر استفزازاً من شراء اليخت، قائلاً “اشتريت اليخت من حر مالي… أنا سليل الأسرة الحاكمة لأرض الحجاز”، وليس مجرد شاب من أبناء الطبقات المتوسطة الكادحة، ليحق فيه قول القائل “سمت دهراً ونطق كفراً”، وكأن سخط الشعب كان بسبب مصدر الأموال وحسب؟ مصيبة كبيرة لو كان هذا ما فهمه..
واستكمالاً لتدمير أي معنى للعدالة الاجتماعية من قبل النظام الذي يريد بناء مدينته المفضلة على أنقاض قرى ومساكن الحويطات، قامت السلطات السعودية في بداية المشروع بالتعاقد على بناء 5 قصور ملكية في مشروع مدينة نيوم بقيمة تصل إلى 15 مليار ريال، وقاعة اجتماعات كبيرة، وملعبا للجولف بالإضافة إلى جميع أعمال التشجير، وهي مرافق لن يستفيد منها سوى أبناء الطبقة الحاكمة وكبار رجال الدولة والأثرياء ثراء فاحش.
على الجميع أن يتذكر دائماً وأبداً، أن نظام بن سلمان، الذي يدعي احترامه للعدالة الاجتماعية وسعيه لتحقيقها قام بالاستحواذ على جزء كبير من أراضي نيوم تحت سطوة السلاح والاعتقالات والتهديدات، حيث أظهرت التقارير الحقوقية أن نحو ما يزيد 4000 وحدة سكنية سيتم إزالتها لتحقيق حلم ولي العهد بإنشاء مدينة ترفيهية عالمية تجذب الحالمين من البشر -حسب وصفه – فضلاً عن تدمير مساحات زراعية واسعة، مع تهجير عشرات الآلاف، دون توفير مساكن لهم، أو تعويضهم تعويضات تليق بحجم خسائرهم.